2024-04-19 12:05 م

السيسي ومستشاروه أخفقوا في تقدير العواقب المترتبة على التنازل عن الجزيرتين

2016-04-30
رأت صحيفة »واشنطن بوست «الأميركية أن “السيسي ومستشاريه قد أخفقوا في تقدير النتائج والعواقب المترتبة على ارتداد خطابهم الاستراتيجي المعتمد بشكل واسع على الوطنية عليهم عندما أعلنوا التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير”. وذلك في تحليل مشترك لأكاديميين أميركيين نُشرته الصحيفة أمس الأول.

وأستهل تحليل الصحيفة الأميركية بالقول أن “يوم الخامس والعشرين من أبريل والذي عادة ما يشهد نوعاً من الاحتفالات الوطنية في عُطلة رسمية كل عام كمُناسبة تُذكر بانسحاب إسرائيل من سيناء عام 1982، إلا أنه كان هذا العام مليء بالتوتر، مع رفع قوات الأمن لحالة الطوارئ القصوى وتحذير المواطنين من المشاركة في المظاهرات”.

وعلل التحليل الأجواء السابقة بالقول أن “أن أصل قلق النظام نتج عن ما كان متوقع أن يكون ناجحاً من زيارة الملك السعودي سلمان إلى مصر لمدة 5 أيام، وهي الزيارة التي لم يوقع فيها الملك السعودي مع الرئيس المصري اتفاقيات اقتصادية فقط، ولكن اتفاقية (إعادة) تيران وصنافير إلى السعودية. وهو ما قوبل برفض صاخب من شخصيات وازنة على التنازل عن الجزيرتين، وضجت وسائل التواصل الاجتماعي والإعلامي بالغضب مما حدث”.

وفسرت »واشنطن بوست «في تحليلها ما أسمته بـ”وصفة النظام لإلهاء المواطنين ]المكونة[ من القمع الممنهج المتزايد منذ الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي في يوليو2013، والمشاريع العملاقة، بجانب مبادرات ترمي إلى مناشدة الوطنية الشعبوية وتعزز الفخر الوطني”.

وأشار تحليل »واشنطن بوست « إلى أن “أغلب هذه المشروعات العملاقة لا تزال في مرحلة التخطيط، أو ذات عوائد منخفضة، مثلما كان الحال لمشروع امتداد قناة السويس، الذي جاء بإيرادات أقل كثيراً مما كان متوقع (..) فعلاقة الأزمات الاقتصادية بعدم الإصلاح في الدول الاستبدادية معقدة، فمثلما كان الأمر عام 1990 وأزمة النظام وقتها التي هرب منها بتجنب الإصلاح السياسي بالإعفاء المهول للديون مقابل مشاركته في التحالف العسكري الدولي ضد صدام حسين. والأن النظام يعتمد حرفياً على المساعدات الاقتصادية والاستثمارات من الكويت والإمارات، والسعودية للحيلولة دون غرق الاقتصاد المصري”.

وأوضحت الصحيفة الأميركية في تحليلها أن “حتى الآن نجح النظام بشقيه الأمني والعسكري منذ 2013 في قمع المعارضة سواء بالاعتداءات القاسية ضد نشطاء فاعلين في جماعة الإخوان المسلمين المحظورة الأن، أو حتى غير منتمين لها، كحال ما يواجه العمال ونشطاء المجتمع المدني والحقوقيون من المضايقات الأمنية، وهو في إستراتيجيته الأمنية هذه يغلف النظام مبادراته بالوطنية الفائقة وتصوير كل المعارضين على أنهم خونة، واستطاع النظام أن يُقنع شريحة كبيرة من الناس بأن له القوة المطلقة الوحيدة التي تملك وطنية كافية للدفاع عن الدولة ضد ما تبقى من الإخوان أو التمرد الأكثر دموية الموجود في سيناء المرتبط بتنظيم داعش”.

ويسهب تحليل»واشنطن بوست «في شرح ردة الفعل السلبية على قرار النظام بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير بالقول أن “السيسي ومستشاريه فشلوا في تقدير ردات الفعل المنطقية على استراتيجيهم التي اعتمدت بشكل كبير على الخطاب الوطني، والدليل على ذلك كم الانتقادات البالغة والغضب الذي تليَّ الأمر، فأغلبية المصريين يروا أن هذه الجزر جزء من أراضي الوطن، حتى أن الُمعلمين فوجئوا من أن ما يدرّسُونهَ في الكتب المدرسية الحكومية على مدار عقود غير صحيح، (..) ولم يكن ليهتم المعظم بالأمر إذا كان الأمر مجرد جدل أكاديمي، ولكن لأن الغضب الشعبي كان متصاعداً ومعارضة ]التنازل عن الجزيرتين[ انتقلت بشكل واسع وسريع إلى الإعلام، الذي كان مستكيناً تماماً في السابق، حيث اعتبر أن الأمر تجاوزاً للخط الأحمر، فصارت المعارضة مشروعة لأول مرة وفتح مساحات أوسع للاعتراض مع وجود جرأة بسبب التصدعات في صفوف النظام الذي تمت معارضته من الذين كانوا من أكثر المؤيدين لهُ”.

ويجيب التحليل عن سؤال بديهي هو “لماذا كانت حالة الجزيرتين استفزازية جدا؟” ونتج عنها هذا الكم من المعارضة بالقول: “الأمر غاية في البساطة، وهو أن لا يوجد ماهو أكثر محورية من الهوية الحضارية والسردية الوطنية غير حدود وجغرافية التراب الوطني (..) حيث إعادة صياغة الخطاب الوطني حسب التوجهات السياسية الحالية سيجعل القيادة السياسية تقدم تنازلات أقل حول مفهوم السيادة الوطنية، وما ينسحب على ذلك طبقاً للاتفاقيات السياسية والاقتصادية التي ستجعل التنازل عن السيادة الوطنية مسألة نسبية تخضع للرواية الرسمية، وبالتالي فإن التنازل عن التراب الوطني دون وجود إضطرار شديد ]كالاحتلال[ هو أمر نادر للغاية وينطوي على مخاطر شديدة”.

ورصد تحليل الصحيفة الأميركية أهمية السيادة على التراب الوطني في مصر منذ 1952 وتشكيل هذا المبدأ لحجر الزاوية في الوطنية المصرية على مدار العقود التي تلت هذا التاريخ وحتى الانسحاب الإسرائيلي من سيناء عام 1982، سواء في الحروب أو التسوية السياسية؛ فكل منهما أتى للحفاظ على التراب الوطني. وهنا حسب الصحيفة “لا يمكن للسيسي -الذي ربط نفسه في مرات عديدة بعبد الناصر- أن يروج للوطنية التي تمتلك جذورا عميقة في الهوية المتكونة عبر عقود لدى المصريين عبر المصادر التعليمية، والحكومية والإعلامية، وينتهك واحد من أهم الأركان الأساسية للهوية الوطنية نفسها دون أن يفلت من العقاب”.

ويخلص تحليل »واشنطن بوست «بالقول “عندما ثار المصريون في 25 يناير 2011، اختاروا اليوم المخصص لعيد الشرطة لبدء تظاهراتهم، ومن سخرية القدر أن قضية الجزيرتين، جاءت بالتزامن مع عيد تحرير سيناء وجاءت دعوات التظاهر في هذا اليوم (..) فهذه الحلقة تبرز مدى تأثير الركن المحوري للخطاب الوطني من حيث أن يتحول إلى تحدي للسلطة، خلافاً لفتح فضاء مُغلق للتعبير عن معارضة لنظام قمعي”.