2024-03-28 03:21 م

الليل والقمر .. حكاية قديمة

2016-03-14
بقلم: ميشيل كلاغاصي
الليل والقمر .. حكاية قديمة وَجد الإنسان القديم في الأرض ومحيط الكون الذي يعيش فيه , تجسيدا ً لفكرة القوة الكبرى المهيمنة والمسيطرة والتي تمتلك بيديها مفاتيح كل شيء من سعادة ٍ وعطاء وخوف و قدرة وجبروت ......الخ. كذلك وجد في القمر نفس القدرة و من خلال نفس المنطق و النظرة, و أنهما ينتميان لمصدر ٍ واحد.. فأخذ ينظر للأرض والقمر على أنهما الأكثر نقاءا ً وشفافية و أنّ هناك صلة خفية تجمع ما بينهما , وقد عبّر عمّا يجول في فكره و وجدانه و ما يعتقد به و ما يراه بعينه , من خلال أساطير الميثيولوجيا القديمة . وعَمد من خلال ذلك الى إظهار الجوانب المختلفة للقدرة القمرية في ثنايا و وقائع الأساطير التي حاكها و أنتجها بنفسه , فنراه في الأسطورة السومرية يصوّر لنا اشتياق ربة ِ السموات " إنانا " إلى زيارة عالم الظلمات و تخلّيها و تركها لعرشها الإلهي , و من ثم موتها وتغلّبها على الموت , من خلال أروع نتاج و إبداع ٍ جمالي وضع فيها الخبرة البشرية الطويلة و تاريخه الطويل التي يمتد الى أغوار الماضي السحيق . كذلك أثارت الشمس الإنسان القديم بشروقها و غروبها و حركتها الرتيبة المنتظمة وقوّتها العظيمة المتمثلة بالنور و النار والحرارة و....الخ. أما حكايته مع الليل والقمر فكان لها شأن ٌ آخر..... فقد وجد في التغيير الدائم لمكان شروق وغروب القمر و أشكاله و أحجامه المتعددة , و حتى في اختفائه و ظهوره مجددا ً , فضاءا ً فسيحا ً لخياله , فراح يربط ما يراه في القمر من تبدّلات بأخرى يلمسها و يراها في شريكه على الأرض ألا وهو المرأة. و التي عَرف عنها أيضا ً تبدلات عديدة من إشراق و تعب و حزن و حنان و اقتراب و ابتعاد , و أوجد الشبه بينهما حتى من خلال التبدلات والتغييرات الطبيعية لجسد المرأة .فأخذ ينظر إليها على أنها أم الكون والأرض الخصبة , و أنها تلك التي تجلّت بشكل ٍ يعرفه تماما ً وهو القمر. و يعتبر الهلال الخصيب وأرض مصر من أقدم مسارح الحضارات اعتقادا ً بالأسطورة القمرية و تجسيدا ً لها ليس فقط في أساطيرها بل في دياناتها أيضا ً, كذلك هو الحال لمعظم الثقافات البدائية كالهنود الحمر في أمريكا و الثقافات الافريقية .. فقد كان سكان بلاد الرافدين يعتبرون تمام البدر يوما ً تحيض فيه عشتار و تستريح فيه من أعمالها الكثيرة فأطلقوا عليه اسم " يوم الراحة " . و بذلك كان مشهد الليل الجليل و قبة السماء الحالكة بنجومها و شهبها المضيئة و المتلألئة من أكثر المشاهد تأثيرا ًفي الإنسان القديم. و لا يزال القمر- بإعتقادي - حتى يومنا هذا مصدر إلهام الكثيرون و راحتهم و من أفضل الأوقات التي يعمدون فيها الى إلتقاط الأنفاس و إستعادة الراحة والأمل و الثقة و إطلاق العنان للمشاعر و العواطف وحتى الشعور بالسعادة.