2024-04-23 01:01 م

الجهاد الاسلامي في الجولان... لماذا؟

2015-09-03
بقلم: سمير الفزاع
تركيا بوابة اوروبا، والدولة الاكثر مساهمة بالقوات البرية في حلف الناتو، والحاضن لملاين "المهاجرين" من سورية والعراق... ما قد يضع بركان دائم التفجر والتشظي على بوابة اوروبا ليرسل في كل الاتجاهات. خلال شهر واحد سقط ستون ضابط وجندي من الشرطة والجيش التركيين، واضعاف هذا العدد من الجنود السعوديين والامارتيين وانصار عبد ربه منصور هادي في اليمن. وخلال 72 ساعة خسرت السعودية والامارات عشرات الدبابات والعربات المصفحة، وطيارتي اباتشي في الغزو الصهيو-وهابي لليمن؛ بل ان طلائع الجيش اليمني واللجان الشعبية باتت تشرف بالنظر على مدينة نجران، وصار اخلاء المواقع والمعسكرات الحدودية السعودية لازمة ثابتة امام اي هجوم يمني... بما يعنيه ذلك من امكانية تورط تركيا في صراع مفتوح مع حزب العمال الكردستاني كما حصل في السابق من جبهة، وغرق مملكة ال سعود بين قمم واودية ومغاور ومدن وقرى اليمن لفترة طويلة جدا في حرب استنزاف كارثية ستاتي على "هيبة المملكة" وجيشها ورصيدها المالي و"الديني" وتماسكها الداخلي والإستقرار الامني لواحدة من أكبر مصدري النفط في العالم بواقع 11 مليون برميل يوميا. واما الكيان الصهيوني فهو ما زال يعيش مستويات من التهديد ترتفع باستمرار، على الرغم من كل الوضع المأساوي الذي تعيشه المنطقة العربية؛ حيث تتصاعد بصورة جنونية المخاطر الثلاث التي حذرته منها يوما وزيرة الخارجية الامريكية امام مؤتمر الايباك: التكنولوجيا -الصواريخ - الايدولوجيا -المقاومة -الديموغرافيا -الانفجار السكاني في ارضي 48 وما حولها- واذا ما اضفنا الى حالة ومستقبل الكيان الصهيوني معطيات اخرى مثل: انسداد افق المواجهة العسكرية مع المحيط، جنوب لبنان، غزة... وحالات الفشل المتكرر، وانعدام القدرة على اجتراح الحلول لهذا الفشل، الى جانب نجاح ايران في التوصل الى تسوية في ملفها النووي، وتحررها الوشيك من العقوبات الدولية السياسية والعسكرية والاقتصادية... فاننا نستطيع ان نتلمس بدقة اكثر سوداوية المستقل الذي ينتظر هذا الكيان. من هنا كان البحث المعمق عن محاولة تحقيق انتصار كبير يمثل اختراق حقيقي –اذا ما نجح- لينقذ هذة الاصوليات الارهابية الثلاث –العثمانية، الوهابية، الصهيونية- من هزيمة الكبرى ستؤدي لاندثار حتماً: انها القضية الفلسطينية. تمثل القضية الفلسطينية العامود الفقري في سياسات محور المقاومة: سورية، ايران، حزب الله، الجهاد الاسلامي، حماس القسام، الشعبية... ان سرقة هذة القضية من حُماتها ورعاتها الحقيقيون سيمثل ضربة قاسية لكل محور المقاومة. سيحول سورية من دولة ترى في فلسطين جنوبها، وفي تحريرها قضيتها المركزية... الى دولة صاحبة مشكلة ثنائية مع الكيان تتعلق بالجولان فقط. وتحول حزب الله الى "منظمة ارهابية" تعمل خارج القانون الدولي، تورد السلاح الى منظمات فلسطينية خارجة عن القانون. وتحول ايران الى دولة فارسية تعبث بامن المنطقة العربية، وتخرب علاقات العرب مع بقية جيرانهم وخصوصا الكيان الصهيوني. وتنقل الفصائل الفلسطينية المقاومة من خانة قوى التحرر الوطني الى مجرد ادوات محلية تنفذ أجندات ومشاريع خارجية معادية لمصالح الشعب الفلسطيني... تاتمر بتعليمات الجارخ وتعمل ضد مصالح شعبها وووطنها انه الاختراق الاخطر. السلطة الفلسطينية الى جانب انها مستعدة للتوقيع على أية تسوية يمكن تمريرها فلسطينياً وعربياً واسلاميّاً مهما كانت مهينة للقضية الفلسطينية حتى وإن تخلت بموجبها من معظم فلسطين... فانها استهلكت وطنيا واخلافيا وسياسيا بسبب مفاوضاتها الطويلة مع الكيان الصهيوني والتي لم تثمر سوى المزيد من التنازلات عن الثوابت الفلسطينية والمزيد من الاستيطان والتهويد... من جهة، ومن جهة أخرى فهي لا تملك القدرة على المضي في "تصفية" القضية الفسطينية لوحدها بسبب الخلافات حول النهج التسووي من ناحية وبسبب الفصل الفعلي بين الضفة والقطاع من ناحية أخرى. من هنا ظهرت أهمية التركيز على الطرف الآخر من المعادلة، غزة، والقوة الرئيسية فيه، حركة حماس. في العام 2014 اعلن وزير الخارجية التركي داود اوغلو، أن حركة حماس والكيان الصهيوني كانا على بعد خطوات من التوقيع على هدنة طويلة الامد في القطاع لولا قيام الحرب. استعادت تركيا اردوغان المأزومة والباحثة عن حبل نجاة تلك المفاوضات عبر الاداة الغربية المتمثلة بالرباعية وتوني بلير، وبمباركة "عربية-اسلامية" تحمل لوائها مملكة آل سعود، وضعت اسسها في لقاء سلمان-مشعل. هنا ظهرت معضلة قوى المقاومة في القطاع وخصوصاً الجهاد الإسلامي الذي يتبوأ مكانة كبيرة في القطاع، سياسياً وشعبيا وعسكريا... واما العنصر الآخر فهو كتائب عز الدين القسام عامود المنتصف في القطاع، والفصيل الأكثر شعبية وانتشارا وعددا وعدة. ظهرت بوادر الخلاف منذ سنوات داخل حركة حماس، وكانت زيارة حمد قطر والقرضاوي احد تجلياتها، عندما تعرض والد الشهيدين محمود الزهار للضرب المبرح في الشارع بسبب موقفه من هذه الزيارت والتحالفات الجديدة التي بدأ بعض قادة حماس بنسجها. واما حرب 2014 فقد كانت المحطة الابرز التي ظهرت فيها هذه الخلافات، ولم تكن التعبيرات والاستعارات التي استخدمها الدكتور رمضان شلح في مقابلته التلفزيونية الاخيرة مع الميادين خالية من الرسائل والدلالات، خصوصاً عندما تحدث عن التنسيق "الفزعه" الذي لم يتجاوز الخلافات العميقة، وتلك الزمرة التي تغريها منصة اوسلوا او كامب ديفيد... نعم هناك من هم في "شوق حار" لإعتلاء منصات التسوية على نمط اوسلو وحتى كامب ديفيد داخل حركة حماس. ولكن كيف حاول حلف تل ابيب-الرياض-انقره التمهيد لتمرير هذه الصفقة؟ توجيه ضربة استباقية لكتائب القسام تكفل بانجازها بعض من المؤسسات المصرية عبر توقيف خمسة من عناصر حماس بارسال رسالة تحمل معنيين لا ثالث لهما: انتم تحت نظرنا، وقادرون على خنقكم ساعة نشاء، عليكم المضي بهذه التسوية وإلا. والرسالة الثانية المناقضة في بعض جوانبها للاولى: نحن معبركم الوحيد للعالم والى التسوية السياسية لا تركيا، وعليكم أن تختاروا. وأما حركة الجهاد الاسلامي، فقد تكفل الكيان الصهيوني بها من خلال رسائل الغارة الاخيرة على القنيطرة عندما زج بإسمها كاحد اهداف الغارة. وهذا "الحشر" للجهاد الاسلامي ضمن اهداف الغارات الصهيونية يحمل في طياته معنيين لا ثالث لهما ايضاً: توجيه ضربة استباقية للجهد الاسلامي تمنعه من الاعتراض على التسوية التي "يطبخها" هذا المحور، بحيث تصبح أي معارضة لتسوية "تنقذ" قطاع غزة من الحصار الخانق، وتسمح باطلاق اعادة الاعمار، واقامة ميناء يربط القطاع بالعالم الخارجي... خضوع لمصالح دمشق-طهران-بيروت لا مصالح الشعب الفلسطيني، وغسفين يمزق وحدة الصف الفلسطيني المقاوم... والدليل مشاركة الجهاد الاسلامي في قصف الجولان والجليل والرد الصهيوني عليه... ولهذا كان د. رمضان شلح حريص جداً على تكرار معنى مقولة أن التهدئة ليست مقدسة، وان الجهاد سيرمي بها في سلة المهملات اذا ما تعرضت مصالح الشعب الفلسطيني للخطر... . وأما المعنى الثاني، أن يكون لدى الكيان الصهيوني معلومات مؤكدة بأن الجهاد الاسلامي قد ارتقى في صراعه مع المشروع الصهيو-امريكي-الرجعي العربي الى مستوى جديد، نوعي وبالغ الأهمية والخطورة... حيث أصبح شريك في الميدان مع الجيش العربي السوري وحزب الله لمقارعة هذا المشروع على الساحة السورية، وأنه أصبح جزء من مقولة تغيير قواعد الإشتباك وتوحيد الجبهات... الأمر الذي اقلق الكيان الصهيوني وأجبره على توجيه رسالة "علمنا بوجودكم، وتصرفنا، ونحذركم من تداعيات هذه المغامرة"... ولن تكون هذه المرة الاولى التي تقاتل فيها الجهاد الاسلامي خارج حدود فلسطين، لقد فعلتها الحركة في العام 2003 في العراق وعبر سورية. سيناريهوات مفتوحة على عدد من الاحتمالات، وهي خطيرة جدا في المجمل، ولكن بعضها يفتح أفقاً واسعاً لتبديل المشهد كليّاً.

الملفات