2024-03-29 04:23 ص

دلائل تسمية بعض الجماعات المسلّحة في سوريّة

2015-09-03
بقلم: محمد نور الميهني
لا يخفى على أي متابع للأزمة السوريّة وجود تلك الكثرة من الكتائب المسلّحة المختلفة المشارب والطوائف والإنتماءات على الأرض، بل إنّها بلغت من العدد بما يزيد على عدد الفرق المنضوية تحت لواء الإتحاد الدولي لكرة القدم " الفيفا" ممّا يجعل الكثيرين يطلقون النكات والطرائف عن ذلك. ولكنّ نظرةً معمّقةً إلى أسماءها ستجعلنا نغيّر رأينا بلا شك. فبعضها- خاصّةً تلك التابعة للتركمان والناشطة في الريف الحلبي الشمالي وريف اللاذقيّة- تسمّى بأسماء سلاطين وقوّاد منتقاة بعناية شديدة، رغم أنّها تبدو للمراقب العادي بلا معنى. وتعتبر أسماء من مثل " كتائب السلطان سليم الأوّل"، و" كتائب السلطان محمد الفاتح"، و" كتائب السلطان مراد الرابع" أوضح مثال على ما سبق. طبعاً، الأسماء السابقة هي لثلاث سلاطين عثمانيين ينتمون لثلاث عصور مختلفة، ولكنّ الصدفة جمعتهم معاً لسبيين ريئيسيين. فجميع هذه الأسماء عاشت في عصور مضطربة نوعاً ما، كما أنّهم توفوا في أعمار مبكّرة نسبيّاً وبأمراض غامضة. فالسلطان محمّد الفاتح توفي فجأةً وعمره أقل من خمسٍ وخمسين عاماً، وقيل أنّه اغتيل اغتييالاً بالسم، وقد أدّت وفاته المفاجئة إلى عودة الأسطول الذي كان متوجّهاً إلى الأندلس لمناصرة دولة بني الأحمر إلى اسطنبول. أمّا السلطان سليم الأوّل فتوفي وعمره أربعون عاماً بالتمام والكمال متأثّراً بمرض غريب أدّى إلى تصبّغ جلده، قيل أنّه نوع من أنواع السرطان. فيما توفي السلطان مراد الرابع متأثّراً بتشمّع الكبد ولمّا يبلغ الثلاثين بعد من عمره، وقد أدّت وفاته إلى تغيير نظام الوراثة العثماني نظراً لأنّ أولاده كانوا أطفالاً غير قادرين على تسلّم زمام الأمور، ليتسلّم أخوه غير الشقيق " إبراهيم" مقاليد الحكم. أمّا بالنسبة لحروبهم، فإنّ محمّد الفاتح وسليم الأوّل اشتهرا بحروبهما التي لا تكاد تنتهي مع جيرانهما، سواءاً البلقانيين أو الأناضوليين أو حتذى المماليك. فمحمذد الفاتح قضى شطراً لا بأس به من مدّة حكمه التي امتدت زهاء عشرين عاماً ونيّف وهو يحاول فرض السيطرة الكاملة على الأفلاق والبغدان- رومانيا الحالية- إلى أن تيسّر له ذلك أواخر العشريّة السابعة من القرن الخامس. هذا بالإضافة إلى محاولاته الحثيثة تحييد إمارتي " بني كرمان" و" ذو القادر" في الأناضول، خاصّةً الثانية منهما- أي إمارة " ذو القادر"- التي كانت تبيع ولاءها للماليك تارّةً وللعثمانيين تارّةً أخرى. أمّا سليم الأوّل فقد اشتهر بحروبه المتواصلة مع المماليك والصفويين. فالتاريخ يذكر أنّ السلطان سليم الأوّل ألحق بنظيره السلطان اسماعيل الأوّل هزيمةً منكرة في واقعة " تشالديران"- الواقعة حاليّاً في ولاية " غرب أذربيجان" الإيرانيّة- احتلّ بعدها عاضمتهم " تبريز" مدّةً من الزمن قبل أن يتراجع منها ويعيدها إلى ملك الصفويين بموجب الصلح الموقّع بينهما. وإذا كانت دولة المماليك البرجيّة غير داخلة في حسابات سليم الأوّل، فإنظذ تدخّلهم غير المباشر في إثارة التوتّر الحدودي مع إمارة " ذو القادر" مستغلّين انشغال السلطنة العثمانيّة في حربها مع الصفويين أدّى بالسلطان سليم إلى أن يغيّر وجهة نظره تماماً، ليمّم وجه شطر جنوب الأناضول. ليعمل أوّلاً على إنهاء وتصفيّة إمارتي " بني كرمان" و" ذو القادر"، ومن ثمّ يشنّ حرباً خاطفة على المماليك انتصر عليهم فيها في معركتي " مرج دابق" شمال حلب، و" الريدانيّة" شمال القاهرة. لتنضم بلاد الشام ومصر، ومعها الحجاز، إلى رقعة ملكه. ويعتمد بعدها لنفسه لقب " خادم الحرمين الشريفين". وأخيراً يأتي ذكر السلطان " مراد الرابع" الذي عاش في عصر اضطرابات داخليّة وخارجيّة، يُقال أنّه كان شاهداً على ذوة تدخّل الحريم والجواري في شؤون الحكم، خاصّةً والدته السلطان " كوسم". وقد سبقت فترة حكمه اضطرار الدولة العثمانيّة توقيع معاهدتي " نصوح باشا" و" سراب" التي تخلّت بموجبهما عن جميع أملاكها في أذربيجان وأرمينيا، وأعادتهما إلى الصفويين، إضافةً إلى خروج العراق وبغداد عن سيطرتها، ولكنّ ما آلم العثمانيين في هاتين المعاهدتين- من وجهة نظرهم طبعاً- هو تغيير خط الحج الشيعي إلى الشام بدل العراق، وما يتبع ذلك من دلالات وإشارات من اعترافها الضمني بأحقيّة الصفويين في فرض الوصاية على المقامات المقدّسة في العراق والشام. وفي هذا الجو المشحون تسلّم السلطان " مراد الرابع" الحكم. لبقضي معظم فترة حكمه في حروب متواصلة مع الصفويين، انتهت عام 1629م- قبل وفاته بعام واحد فقط- بتوقيع معاهدة " زوهراب"- أو معاهدة " قصر شيرين"- استعادت الدولة العثمانيّة العراق كاملاً من الصفويين، إضافةً إلى أملاكها في القفقاس وأذربيجان وأرمينيا، التي قضت المعادة بتقسيمها بالتساوي بين الدولتين. والآن يأتي السؤال، ما علاقة السرد التاريخي السابق، بالكتائب المحاربة على الأرض!؟ وهل هناك فعلاً دلالة لاختيار الإسم أمّ أنّ ذلك مجرّد انتقاء عشوائي لاسم له وقع على الأسماع والآذان!؟ وأعيد القارئ قليلاً إلى جدليّة الصراع في سوريّة. فما يسمّى معارضة مسلّحة تعتبره حرباً مسلّحة ضد التمدد الإيراني المتمثّل ببعض الكتائب المساندة والحليفة للجيش السوري- أو كما تحلو تسميته الجيش النظامي- على الأرض. والغريب أنّ بعض المعارضة السياسيّة تضع إيران ضمن قائمة الدول الداعمة للنظام السوري، أو كما تقول. وباعتبار أنّ نظريّة التمدد الإيراني تنص على أنّ إيران تعمل على تغيير الديموغرافيّة السكانيّة بتهجير السكّان الأصليين " السنّة" وإحلال سكّان جدد " شيعة" موالين لها بدلاً عنهم، فمن الطبيعي أن يتحوّل الصراع من عربي- فارسي إلى سنّي- شيعي له ما له من معانِ طائفيّة وأقلويّة. وبالتالي- ومن وجهة نظري- كان لابد للكتائب الناشطة على الأرض اختيار أسماء اشتهرت بحروبها المستمرّة نصرةً للدين الإسلامي والمذهب السنّي. إلاّ عمليّة التسمية لم تخلو من أخطاء تاريخيّة فادحة أحياناً. فمحمّد الفاتح لم يكن على أي صلة بالصفويين لا من قريب ولا من بعيد، ورغم أنّ إمارتي " آك كويونلو" و" كيزيل كويونلو" التركمانيّتين كان لهما امتداد في شرق الأناضول، إلاّ أنّ التاريخ لا يذكر أي احتكاك بين هاتين الإمارتين من جهة، وبين الدولة العثمانيّة من جهة أخرى. وأوّل احتكاك سنّي- شيعي حقيق تمّ في عهد السلطان الأوّل- وبالصدفة البحتة، وذلك عبر العيون والدعاة الي كان السلطان اسماعيل الأوّل سلطان الصفويين يبثّهم شرق الأناضول في المناطق المجاورة لدولته. وقد أدّى هذا الإحتكاك في النهاية إلى حوادث مؤسفة- قيل أنّها موجّهة- من حملات الشتم المتبادل لأمّهات المؤمنين والصحابة آل البيت على المنابر في كلا الدولتين، كانت معاهدات الصلح تشترط إيقافها كبوادر حسن نيّة. وأخيراً وليس آخراً، يحق للقارئ أن يتسائل، مالفائدة المرجوّة من هذا العرض والإستطراد لمعلومات لا تهمّه!؟ مالي سيجنيه المواطن العادي من اسم كتيبة مقاتلة على الأرض!؟ وهل كنّا سنعرض ما عرضناه إن كانت الكتائب مسمّاة بأسماء ملوك فرنسا أو بريطانيا أو النمسا مثلاً!؟ في واقع الأمر، إنّ الجوهر يقع في استغلال بعض النقاط الخلافيّة في التاريخ العربي والإسلامي والبناء عليها. فشعور الكراهيّة المتبادل بين العرب والترك منتشر أصلاً وليس بحاجة استثماره، خاصّةً وأنّ كتب التاريخ في تركيّا وسوريّة تعمل على نشر بوباغاندا مضادّة للطرف الآخر، قبل أن يسود شهر عسل مؤقّت بين الجارين انتهت باشتعال الأزمة السوريّة، وما يُقال عن دور تركيّا المباشر أو الغير مباشر في دعم المسلّحين على الأرض بالعدّة والعتاد. ولا نكذب إذا قلنا أنّ مجرّد لفظ اسم " محمّد الفاتح" يثير ما يثيره من امتعاض واستياء- بل واشمئزاز أحياناً- خاصّةً لدى الإخوة المسيحيين. كيف لا وهو الذي احتلّ عاصمة البيزنطيين " القسطنطينيّة" وحوّل كاتدرائيّتهم " آيا صوفيا" إلى مسجد- حوّله مصطفى كمال أتاتورك بعدها إلى متحف أواخر العشريّة الثالثة من القرن العشرين. أمّا " سليم الأوّل" فقد اقترن اسمه طويلاً بعصر الإنحطاط، أو بمعنى آخر بالحط من شأن العرب. إذ يُقال أنّ نقل معه خيرة الصنّاع والحرفيين وأصحاب المهن إلى عاضمته " اسطنبول" وترك بلاد الشام تموج في بحرٍ من الجهل والفقر. رغم أنّ التاريخ يخبرنا أنّ العصر العثماني- المبكّر خاصّةً- شهد نهضةً تعلميّة تمثّلت ببناء العديد من المدارس في حلب ودمشق، أشهرها التكيّة السلميانيّة في دمشق، والمدرسة العادليّة في حلب. وربّما يعتبر " مراد الرابع" نفسه محظوظاً كونه انتزع العراق انتزاعاً من أيدي الصفويين وأعاده إلى وسطه العربي من جديد. والغريب أنّ هذا السلطان يعتبر من القلّة القليلة المشهود لها بالمسعة الحسنة كما يرى مؤرّخونا العرب. وفي خاتمة هذا المقال، نذكّر أنّ الكتائب متنوّعة المشارب والإنتماءات واالنشأة، وبالتالي فإنّ عمليّة التسمية تعود أفضليتها إلى من يدعمها. ولن نستغرب إذا استفقنا في يومٍ من الأيّام ورأينا أنفسها بمواجهة " كتيبة ريتشارد قلب الأسد" أو " كتيبة فيليب أوغست" أو " كتيبة فريدريك العظيم"، صحيحٌ أنّ الأمر حينها سيغدو أقرب إلى الكوميديا، لكنّ ما نعيشه اليوم عوّدنا أن نتوقّع ما هو أغرب!

الملفات