2024-04-23 06:25 م

الطفل محمد التميمي.. اليد التي يقوى الاحتلال على كسرها

2015-09-01
وفا- يامن نوباني

كان محمد باسم التميمي (12عاماً) يلهو بنبش عُش دبابير، على تلة تبعد 300 متر عن بيته بيد واحدة، بعد أن أصيبت يده اليسرى بكسر حين قفز من فوق سور هربا من سيارة عسكرية للاحتلال اقتحمت قرية النبي صالح.

بعدها بدقائق في يوم الجمعة الفائت 28 آب 2015، بُث مقطع فيديو وصور، لحدث شاهده الملايين حول العالم، جندي احتلالي يُهاجم محمد بقوة وعنف، ويلقيه أرضا، قبل أن تتمكن قريبات الطفل من تخليصه، بعد معركة صراع إرادات. فمن جهة كان إصرار الجندي على اعتقال محمد، وفي الجهة المقابلة إرادة والدته وشقيقته وقريباته، والتي كانت أقوى، وأعلنت النصر في حدث يعيد إلى الأذهان، مشاهد من يوميات الانتفاضة الأولى، نساء يصرخن على جنود الاحتلال في محاولة لتخليص شبان من قبضتهم، بينما يقوم الجنود بضرب النساء وإبعادهن، والإصرار على اعتقال الشبان، إلى أن ينتهي المشهد في الأغلب بتخليص الشبان من أيديهم.

تقول ناريمان التميمي (39 عاما) والدة محمد: كُنت مع قريباتي نتابع مجرى المسيرة الأسبوعية، فوق تلة قريبة، وكان محمد يلهو مع أطفال آخرين في عُش دبابير قريب، فجأة بدأ جنود الاحتلال بالاعتداء على المشاركين، بالرصاص وقنابل الغاز والصوت، وملاحقة الشبان بغية الاعتقال، فرأينا متضامناً أجنبيا مصابا، توجهنا إليه لمساعدته، وإذ بقريبي بلال التميمي يصرخ من بعيد: تعالوا تعالوا، فتوجهنا إليه قبل أن نكتشف أن مناداته كانت من أجل إنقاذ ابني محمد من قبضة جندي. وصلت في البداية ابنة عمه، حاولت التحدث إلى الجندي دون جدوى، ثم وصلت ابنتي عهد التي أيضا حاولت معه بالكلام، وحين وصلتُ من خلف الجندي أبعدته، لكنه شدّ محمد معه وفلت مني، فعاد هو ومحمد إلى الصخرة التي كان محمد يحتمي بها. حاولت ثانية، فأبعدته قليلاً لكنه مرة أخرى أمسك بمحمد وفلت مني، وبما أن محمد كان أمامه، فقد تحمل عبء التعرض للارتطام بالصخرة في المحاولتين، إضافة لوزن جسد الجندي الذي كان يسقط فوقه.

وتضيف ناريمان: خرج الجندي الذي أمسك بمحمد من بين أشجار الزيتون، ومعه نحو 20 جنديا كمنوا للمسيرة، وحين هرب الشبان لم يجد غنيمة إلا محمد، الطفل الذي كُسرت يده قبل ذلك بيومين فقط، وأيضا بسبب الاحتلال، حيث قفز عن سور بعد اقتحام قوات الاحتلال البلدة وإطلاق الرصاص والقنابل المسيلة للدموع، ما أدى إلى كسر في يده اليسرى، التي لم تشفع له أمام أحدث الأسلحة والصراخ والشتائم، عدا عن الضرب ورهبة الحدث الذي لم يتوقعه.

بعد الحادثة، بدأ الإسرائيليون ومجموعات متطرفة تهاجم العائلة وتدعو للانتقام منها، وتنشر صورها على مواقع التواصل الاجتماعي، في سياسة تحريضية واضحة، حتى المستوى السياسي حشد للهجوم على عائلة التميمي، فوزيرة الثقافة الإسرائيلية ريغيف، قالت: 'على الجنود إطلاق النار على كل من يهاجمهم'، كما حرضت الصحافة الإسرائيلية، حيث كتبت 'يديعوت أحرونوت': وضعية يد الطفل تدل على أنه كان يرشق الحجارة.

تقول ناريمان: شاهدنا ووصلنا من الأصدقاء عشرات العبارات والمقالات التحريضية علينا، خاصة على 'تويتر'، كما أن الجندي الذي أفلتنا منه محمد تقدم للشرطة الإسرائيلية بشكوى ضدنا، للمطالبة باعتقالنا ومحاكمتنا. لسنا خائفين، فقد اعتدنا اعتداءاتهم وتهديداتهم، وأحيانا كان تهديدهم شخصي ومباشر، فبعد استشهاد أخي رشدي في عام 2012، تعرضت لإصابة بالرصاص في الركبة، حيث أطلق جندي النار على رُكبتي عن بعد 6 أمتار، بعدها بثلاثة أشهر أطلق الجنود قنابل الغاز بكثافة على بيتنا فخرجت للصراخ عليهم، فقال لي أحد الضباط: 'ناريمان التميمي، ما اتعلمتِ من الرصاصة الأولى، لازم نطخك لحتى نخلص منك'.

أما محمد التميمي، فيقول: حماني في البداية شق صغير في الصخرة التي رماني عليها الجندي، تمسكت به بكل قوتي، وحين شاهدت أمي وشقيتي والنسوة، أدركت أنهن سيحررني من الجندي الذي لم يتوقف منذ اللحظة الأولى لإمساكه عنقي، عن ركلي بقدميه وسلاحه، وخدشي في وجهي.

بدورها شقيقة محمد، عهد التميمي (14عاما)، والتي منحتها تركيا جائزة 'حنظلة للشجاعة'، تقول: أول شيء قمت به هو الإمساك بيد محمد المكسورة وسحبها من تحت الجندي، فحين تجد عزيزا على قلبك في خطر، فأنت تحاول بكل الطرق مساعدته، صرخت على الجندي، قبل أن أقوم بعضه في يده، دافعت عن نفسي مقابل اليد التي امتدت أيضا إليّ.

تتابع الفتاة: لم أفكر بالخوف، لأني كنت أريد شقيقي، الذي كان يعاني ويصرخ مستنجدا بنا، ولو كان الطفل هو لأم إسرائيلية لفكرت بقتل من يحاول مسّ ابنها وليس فقط عضه أو ضربه، حتى رشق الحجارة أمام السلاح ليس عنفا، فهو رمز مقاومتنا الفلسطينية وأساسها.

ليست هذه المرّة الأولى التي تتعرض فيها عائلة باسم التميمي لهذا الهجوم، والتي أطلقت على طفلها الثالث اسم محمد تيمنا باسم الشهيد محمد أبو لطيفة، الذي استشهد في رام الله عام 2002، وأطلقت اسم سلام على أصغر أفرادها بعد استشهاد سلام يعقوب عام 2004، وقد سبق هذا الاعتداء استشهاد شقيقة باسم، أم نزار (43 عاما) داخل محكمة الاحتلال في سجن رام الله عام 1993، بعد أن ضربتها شرطية بالسلاح وألقتها أرضا، ثم استشهد رشدي شقيق ناريمان في العام 2012، وأصيب باسم عدة مرات وتعرض للاعتقال 9 مرات، كما اعتقلت ناريمان 5 مرات، وابنهما وعد مرة واحدة، فيما أصيب ابنهما الصغير سلام (9 سنوات) قبل ثلاثة أعوام، بعيار مطاطي في القدم، وتعرضت عهد للضرب والتنكيل ثلاث مرات، أما محمد فقد أصيب بالرصاص عام 2010، كما تعرض للضرب قبل عامين، ثم للكسر في يده اليسرى قبل أيام، وأخيرا الاعتداء الوحشي عليه من قبل الجندي.

كعادتها قرية النبي صالح، غرب رام الله، تخرج بشبابها ونسائها وأطفالها، في مسيرة أسبوعية سلمية مناهضة للاستيطان، كل يوم جمعة منذ العام 2009 بشكل منتظم، لكن الجمعة الفائتة سجلت حادثة مهمة في تاريخ الصراع على الحق بين أصحابه وأصحاب الباطل والادعاء، حيث رأى العالم الأم الفلسطينية تنتفض بلا رهبة من جبروت السلاح والقمع في يد الاحتلال، رافضة أن يُمس أبناؤها.