2024-03-29 02:12 م

العرب يشهدون حربًا عالمية.. ولا أقل

2015-07-06
بقلم: السيد شبل
كل ما يجري على الأرض العربية اليوم وأمس ولمدة لا يعلم مداها إلا الله، هي حرب عالمية مكتملة الأركان، فقط لأنها على أرض ليست أوروبية، ولأن من ينزفون دمًا فيها ليسوا بِيض (بكسر الباء) البشرة، يضن المنظرون الغربيون عليها بهذا الوصف. ولا نجادل أبدًا ولا نسمح لأحد بالجدال في أنه، غدًا، إن قدر الله لأوطاننا النجاة، سيوقن من لديه ذرة أنصاف، وستسجل صفحات التاريخ رغمًا عن أصحابها، أننا قد أفلَتنا وسَلِمنا من حرب شرسة طاحنة متكاملة المعالم، لم يدخر من شنوها وسعًا في قذف كرات النار الواحدة تلو الأخرى بهدف استئصال شأفتنا بالكلية، وإجهاض المستقبل وفرصه وآماله على التمام، وأن الدول والشعوب العربية لم تكن إزاء مجرد معارك محدودة أو متفرقة، كما لا يزال الإعلام بشُقوقه المحلية والإقليمية والدولية يتعامل مع الأمر، بل كانت في مواجهة مع بركان حقيقي، لا تتوانى فوهته عن إطلاق الحمم تلو بعضها. إن العملية الإرهابية التي جرت أواخر الأسبوع الماضي في شبه جزيرة سيناء، تؤكد أن المواجهة لم تعد قاصرة على حفنة من شذاذ الآفاق والمهاويس ومن يملكون فهمًا منحرفًا للدين، وإنما مع أجهزة مخابرات إقليمية وغربية أردات التصعيد؛ صحيح ندرك أن تورط تلك الأجهزة ثابت (ولو حتى في جانبه اللوجيستي) منذ بدء الحرب (واستخدام وصف الحرب لم يعد كما لم يكن من باب الكلام الفضفاض الديماجوجي ولكنه الواقع لمن كان ذا بصيرة)، لكن الجديد هذه المرة هو الدعم المفرط وعدم الخشية من الافتضاح، وهذه الواقعة إن أردت استخلاص دلالة منها، فحسبك أن تتثبت من أن الأمة العربية (جلها) تخوض (أو تُخاض ضدها) الحرب ذاتها، ضد نفس عدو (أو من جانبه)، ويعيد استخدام "الكتالوج" ذاته بكامل تفصيله في كل مرة، وإن اختلفت الظروف الموضوعية في كل قُطر عربي؛ تتجلى هذه الخلاصة في سعي المجموعات الإرهابية، والتي يتأكد بالنظر إلى أدائها ونوعية تسليحها وجود عناصر محترفة خارجية بين قادتها، إلى إعادة إنتاج المشهد السوري والعراقي على الأراضي المصري.. حيث رام المنفذون والمممولون والمخططون والداعمون، بحسب ما يكشف سير العملية، إلى اقتطاع جزء من الأراضي المصرية يكون بمثابة قاعدة تمركز ووثوب، ومن ثم محاولة إعادة إنتاج المشهد المريب والصادم الذي يجري في دول عربية تتشارك مع مصر ذات الواقع. فشلت العملية، ونجح الجندي المصري، وتجلى الحق على قلبه فثبت وصمد فخابت ظنون أعدائه، وانقلبت العملية على رؤوس أصحابها، وارتدّ كل أثر سلبي كان محتملًا إلى إيجابي، وأعطت العملية دفعة معنوية هائلة للشعب المصري، وعاد مرة أخرى إلى الواجهة تلاحم الشعب والجيش، ولا نتصور أن ذكرى الثلاثين من يونيو يمكن أن تأتي في سياق أفضل من ذلك في أي مرة قادمة.. فالمعنويات مرتفعة، والنصر متحقق، وأهالي الشهداء يشيعون ذويهم إلى مثواهم، تسبقهم "زغاريط" الأمهات والعمّات والخالات، والمصابون يطلبون السلاح ليعودوا إلى ميادين القتال.. وحسبنا هذا. كانت حسابات المخططين مدروسة بعناية، لكنها خابت.. كانت تدور بالأساس حول اقتطاع جزء من الأرض (كما أسفلنا)، والتحصن بها والصمود أمام طلعات الطيران الجوي المصري باستخدام أسلحة مضادة متطورة، مع الاحتماء بالمدنيين إما لمحاولة خنق ميدان المعركة أو لإحراج المؤسسة العسكرية؛ ومؤكد أن اتفاقية السلام اللعينة التي حرمت الجيش المصري من التواجد بقواته ومعداته على كامل أراضي سيناء، كانت في حسبانهم!؛ لكنّ صمود الفرد المقاتل المصري لم يكن في حسبانهم، فخاب مسعاهم.. كل ما عرضناه كان جانبًا من المخطط، لأن الجزء الأهم فيه، هو الاتكاء على حالة الفوضى العارمة التي ستترتب على تلك العملية، لتمرير التدخل العسكري الغربي، الذي سيعزل الجيش المصري، ويحجم عمله في سيناء، ليتولى مكانه في القيادة، ومن ثم إطالة أمد الحرب، وإطلاق سيل من العمليات ظاهرها الحرب على الإرهاب وباطنها دعمه بكل ما هو متاح من إمكانيات، وما العراق العربي منّا ببعيد!، كل هذا المخطط (بشقيه العسكري والإعلامي) كان كافيًا لزلزلة الروح المعنوية الشعبية في الداخل، وإشاعة حالة من فقدان الثقة، تفتح الاحتمالات السيئة على مصراعيها، ولك أن تتصور ما تشاء!.. لكن الله سلّم.. وصارت العملية بعد الكشف عن تفاصيلها (حجم الخطر.. الصمود.. الرد)، تعوَّض ما خسرته الدولة من روح معنوية ودعم شعبي بعد حادث اغتيال النائب العام، أضعافًا مضاعفة، وحقًا وصدقًا: "وعسى أن تكرهوا شيئًأ وهو خير لكم". يقينًا، ستنسحب الآثار الإيجابية المحلية للعملية (ولو معنويًأ) على سائر الأقطار العربية التي تخوض نفس المعركة ضد ذات العدو، وعلى رأسها سوريا والعراق، وهو ما بدأت بشائره تلوح في الأفق. ويظل الأمل معقودًا في أن تشهد المعسكرات "العربية" تمايزًا أكبر، وتنحاز مصر فعليًا للمعسكر الذي يليق بها وتليق له، حتى ولو على مستوى تصعيد التنسيق الأمني، خاصة بعدما كشف تناول الفضائيات الإخبارية الخليجية للحادثة جانب من نوايا أصحابها، لمن كانت لديه القدرة على الاستنباط!. ما نريده خاتمة للكلام، هو التأكيد، على أنه لا يمكن بأية حال أن يسقط من البال، عند توزيع الاتهامات، الإشارة إلى العدو الصهيوني، فهو المستفيد الأول من توتر الأوضاع في سيناء بالشكل الذي يمهد لتدخل دولي، وهو الرابح الأكبر من استنزاف الجيوش العربية الثلاثة (العراق - سوريا - مصر)، وهو الداعم عبر طيرانه وتسليحه ووحداته العلاجية للمسلحين (المرتزقة) الذي يخوضون حربًا ضد الجيش العربي السوري في جنوبي البلاد تحديدًا، ولا نشهد ثمة فارق بين المحاربين في "درعا والقنيطرة" والمحاربين في "سيناء"، فكلا الفريقين أعداء جذريين للمشروع الحضاري الإنساني بشكل عام والعربي بشكل أخص، وكلاههما ينطلقان من ذات الخلفية الفكرية ويسيران إلى نفس المآلات، واختلاف التسميات يؤكد وحدة الجوهر، لا العكس؛ كل ماسبق يثبت الاتهام من وجه، أما من وجه آخر فتكفي فيه الإشارة إلى أن مشكلات سيناء الحاصلة أمس واليوم والغد، قد نجمت كأثر سلبي مباشر من الآثار السيئة التي خلفتها "كامب ديفيد"، ولا شك أن هذه "المعاهدة" قد صارت، حتى من منطلق براجماتي صرف، عبئًا، ولا مفر من الإطاحة بها والتخلص من قيودها.

الملفات