2024-04-19 03:02 ص

النار الداعشية... هكذا تستعر بوقود الصبر الاستراتيجي

2015-07-04
بقلم: الدكتور محمد بكر*
ما حدث من هجمات ٍ دامية في كل من الكويت وتونس وفرنسا, لا يحتاج للكثير من البحث والتمحيص والتحريات والهرولة باتجاه مسرح الجريمة, لكشف الملابسات وحيثيات الإرهاب المتنقل والمتغلغل , يسرح ويمرح فيه تنظيم داعش من دون صاد ٍ أو راد ٍ لهمجيته واستعلائه واعتداءاته , لا بل بات يتنامى ويتحرك بدقة متناهية على الجغرافية المرسومة له أمريكياً وإسرائيلياً , حاملاً معه كل الصراخ والاستنفار والزعيق الغربي لجهة التخوف من ارتدادات ما صنعته الأيادي , ولتتعالى مستويات الانذار والتحسب لهجمات محتملة في أوروبا , تشنها البلية الإرهابية المسماة " داعش " , التي أضحكت شرورها كل من طرقت مسامعه تصريحات من كان بها عارفاً وصانعاً وداعماً وصابراً " صبراً استراتيجياً " في مواجهته لتمدد التنظيم , إذ أدان البيت الأبيض هجمات داعش في تونس والكويت وفرنسا واصفاً إياها بالشنيعة , بدوره ذرف الاتحاد الأوروبي دموع التماسيح أطلق خلالها الصيحات وطرح الحلول المستعجلة لجهة أن ماحدث سيوحد العالم العربي وأوروبا وأن الجميع مستهدف شرقاً وغرباً , ومن الضرورة بمكان صياغة ما سماه " حلفاً حضارياً " لمواجهة الإرهاب , بدورها طالبت تونس بوضع استراتيجية دولية لمواجهة التطور الإرهابي الحاصل , وهنا نقول أي حلف حضاري وأي استراتيجيات دولية يعود الحديث عنها , وقد غابت مفاعيل تحالف واشنطن " الستيني " ( ستون دولة ) , المؤسس منذ تسعة أشهر في إطار استراتيجية قيل أنها لمواجهة داعش , فكان الملازم لهذا الأخير والمساند والراعي لتحركاته ومناطق استهدافاته. فهل بات الغرب يدق نواقيس الخطر تجاه ما بدأ يتنامى من إرهاب ؟؟ وهل إن أبوابه أصبحت بالفعل قاب قوسين أو أدنى من أن تطرقها يد الإرهاب ؟؟ أم إن كل التخوف الحاصل لايزال ضمن الإطار النظري والاستهلاك الإعلامي, إذ لطالما يمضي ذلك الإرهاب قدماً في تحقيق المراد والغايات الغربية وعندها يغدو التضحية بالهوامش أمراً بدهيا وضرورياً وصولاً للغايات الرئيسة. من يدقق في تفاصيل ويفند مفرزات الجغرافيا التي ينتشر فيها التنظيم وتحتدم فيها المعارك وساحات الاشتباك يتلمس مادياً أن قوة داعش وما يكتنزه من إمكانات عسكرية متطورة , والطريقة التي يجابه فيها خصومه, وتصاعد أعماله الإرهابية لم تكن بهذا المستوى لولا الدعم المادي واللوجستي الذي تقدمه دولٌ بعينها لم تعد خافية على القاصي والداني على الرغم من كل التظهير الذي تبدي فيه تلك الدول وتقدم خلاله انخراطها العسكري في تحالف تقول أنه لمواجهة " داعش " , لكن ما يفرزه الواقع الميداني يشي بعكس ذلك تماما ً, فقط انظر للسلوك الأمريكي المنتهج في سير معركته المظهرة ضد داعش , إضافة لما وثقته تقارير عدة ومشاهدات بأم العين كيف كانت الطائرات الأمريكية تلقي المساعدات لتنظيم داعش في العراق , وكيف غضت الطرف عن تغلغل التنظيم في تدمر. في التحليل والبحث الموضوعي عن الإرادات الغربية – الأمريكية فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب , وعند تدارس فيما إذا كانت هناك نيات حقيقية لدى الغرب للانعطافة في توجهاته وما بات يطفح به سلوكه السياسي لجهة تظهير مستويات قياسية من القلق حيال تعاظم وطأة الإرهاب أوما يسمى ارتداد الارهاب, لابد من تشخيص الحال الذي وصلت إليه الأدوار المحددة والمرسومة لهذا الإرهاب من جهة وإلى أي مدى يتخذ فيه ذلك الغرب الإجراءات الفاعلة التي تساهم في الحد مما يعتريه من مخاوف من جهة أخرى , فلا نذيع سراً هنا عندما نقول أن صياغة الأدوات والمجاميع القاعدية من قبل واشنطن وحلفائها في الوصفة المسماة " ربيعاً " , كانت مفاعيلها حاضرة منذ البدايات لجهة التطبيق الفاعل لاستراتيجية الفوضى الخلاقة, وضرب المؤسسات العسكرية في الدول المستهدفة , ولاسيما في العراق وسورية وكذلك في جمهورية مصر , لتقويض أي دور لها في المعادلة القومية العربية , وصولاً لرأس الحربة في المشروع المقاوم للمشروع الصهيو- أمريكي المتمثل في الإيراني , هذا المبتغى الذي لايزال يحقق فيه " داعش " وإخوته من التنظيمات المتطرفة الأخرى مارسم لهم أمريكياً , وإن سياسة الاحتواء الذي يسعى من خلالها تحالف واشنطن لرسم حدود حمراء للتنظيم منعاً من تجاوزها , و ما يحيكه من استراتيجية " تقليم الأظافر" كي لا تصل إلى الجسد الأمريكي , وإعلان الحرب على الإرهاب كذريعة للعودة إلى المنطقة , كل ذلك بات يصطدم بجملة من السياسات التي تعرقل سير المخطط الأمريكي في تغذيته واحتوائه للإرهاب , هذه السياسات التي هي على دراية كاملة بتفاصيل توجهات وتحركات المشروع الأمريكي في المنطقة ولاسيما في العراق وسورية إذ تسعى في الميدان ( أي السياسات) إلى تصفية شاملة للإرهاب على أراضيها , فتقدم وثبات الجيش العربي السوري في الجبهتين الشمالية والجنوبية والإنجازات التي يحققها الجيش العراقي , وما تبديه إيران من سياسات داعمة للحكومتين العراقية والسورية, يعد السبب الرئيس لجهة عد أن الحديث عن تغير محتمل في السياسات الغربية والأمريكية فيما يتعلق بمكافحة حقيقية للإرهاب هو حديث مبكر, إذ أعلن حسين عبد اللهيان مساعد وزير الخارجية الإيرانية وفي أشد الأوقات حساسية فيما يتعلق بمفاوضاتها النووية عن استمرار الجمهورية الإسلامية في دعمها المؤثر لسورية , وأنها لن تسمح للارهابيين بإسقاط النظام القانوي فيها , قبله أيضاً أعلن نائب رئيس هيئة الأركان الإيرانية مسعود جزائري أن الدفاعات الإيرانية القوية والقوات الهجومية المنتشرة , هي من سيجبر الولايات المتحدة على الانسحاب من منطقة غرب آسيا الاستراتيجية, عاداً أن وزير الخارجية جون كيري قد وصل به الغباء لحد يعتقد فيه أن إيران من الممكن أن تتخلى عن مصالحها بالتهديد العسكري, وهذا ما يشكل ضرباً في صميم المشروع الأمريكي المستمر في تقديم الآليات والرؤى والنظريات على قاعدة " الصبر الاستراتيجي " التي من شأنها أن تؤمن الركيزة الأساسية وعوامل الحياة والبقاء لانتشار وتغلغل " داعش " , هذا الصبر والتروي في مواجهة التنظيم الذي طرحه ديمبسي أثناء زياته إلى بغداد في شهر آذار الماضي وفي فترة كان فيها التحشيد العراقي على أشده لتحرير مدينة تكريت والذي أثار حينها قلق سيء الذكر سعود الفيصل عاداً ما يحدث في تكريت استيلاء ً إيرانياً على العراق , تماماً كقلق أردوغان من تقدم وحدات الحماية الكردية على الحدود مع تركيا المتخمة بالمجاميع الداعشية . في اعتقادنا أن كل الصراخ والزعيق والعويل المدجج بالقلق وحالات الاستنفار الغربي والتيقظ والتحذير من هجمات إرهابية قد تطال حممها الجغرافية الغربية , لا يمكن وضعها في سياق تحول غربي حقيقي وإعادة حسابات تجاه ما بدأ يتنامى من إرهاب مالم يقترن بخطوات فاعلة وإجراءات فوق العادة تنم عن جدية غربية صادقة لجهة تفعيل القرارات الدولية المتعلقة بوقف تمويل وتسليح الإرهاب وتالياً إلزام كل من له ارتباطات واتصالات بالمجاميع الإرهابية للكف عن ذلك بشكل فوري والشروع بتنسيق عالي المستوى مع الأطراف المعنية التي خبرت جيوشها ولجانها وفصائلهاطبيعة وماهية المعركة مع الإرهاب , وعندها فقط يمكن الحديث عن أن التحالفات والآليات والاستراتيجيات التي يصوغها الغرب لمكافحة الإرهاب هي بحق استراتيجيات مواجهة وحسم استراتيجي لا صبر.
* كاتب سياسي فلسطيني مقيم في سورية.