2024-04-19 01:44 م

جيوش الظل: لعبة الحرب والمال والسياسة لشركات الأمن الغربية

2015-06-12
“إنها حربٌ مثالية… الجميع يجنون الأموال الطائلة” ضابط مخابرات أمريكي عن الحرب في أفغانستان..

“هذا المكان [العراق] هو آلة لصنع المال… هناك الكثير من المال. يدهشني حقا: كيف تصنع الحرب مالاً، وكيف يمكن أن يصبح للحرب فائدة” جون كوت. طالب جامعي التحق بشركة كريسنت في العراق ووجد مقتولًا بعد خطابه هذا بأسبوع.

**  **  **

المرتزقة هم عصابات جوالة غير شرعية تحتفظ بها الأنظمة في دهاليز الممارسة السياسية القذرة لمباشرة الأعمال الهمجية والوحشية ضد العدو بما في ذلك الشعب الذي تدعي هذه الأنظمة أنها تحميه. ويُقدر عدد منظمات المرتزقة في العالم بأكثر من 300 ألف منظمة. ولهم في كل بلد مصطلح يدلل عليهم، ففي مصر عُرفوا بالبلطجية وفي سوريا بالشبيحة وبالمرتزقة في بلاد عربية أخرى. للمرتزقة مساري عمل لا ثالث لهما، فهم يمارسون أعمال قذرة داخل بلدانهم أو قد يتم استجلابهم لبلدان أخرى لممارسة نفس المهام.

وقد يخيل للبعض أن المرتزقة ظاهرة مرتبطة بالدول الفقيرة أو النامية حيث يقتات البعض على آلام الآخرين أو أن الشعث الغُبر المنقطعة بهم السبل هم الأقرب لهذه الأعمال القذرة؛ لكن ذلك غير صحيح. ففي الولايات المتحدة مرتزقة مهندمون بشعر أشقر وعيون ملونة وتحت مسميات معلنة بأسماء شركات تتنافس فيما بينها والأدهى أنهم برعاية الحكومة الأمريكية التي تحتضن هذه الشركات وتتعاقد معها بل وتحميها من الملاحقة الدولية ابتداءً برفض الولايات المتحدة وبريطانيا التوقيع على الاتفاقية الدولية التي تجرم أعمال المرتزقة التي أقرتها الأمم المتحدة في الرابع من ديسمبر/كانون الأول 1989 والمعروفة بالاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم، وجرمت كل مرتزق وكل من يقوم بتجنيد أو استخدام أو تمويل المرتزقة، كما حظرت على الدول تجنيدهم واستخدامهم، إذ لا يتمتع المرتزق بوضع المقاتل أو أسير الحرب.

لم تكتف الولايات المتحدة برفض التوقيع على الاتفاقية التي أدرجت الشركات الأمنية والعسكرية ضمن قوائم المرتزقة المحظورة بل تعاقدت معها في جميع حروبها التي خاضتها في دول أخرى كفيتنام والعراق وأفغانستان ومنحتهم وأغرتهم بالمال. ففي العراق تم إحصاء 100 ألف متعاقد أمني وفقًا لصحيفة الواشنطن بوست، وهو كما تقول الصحيفة رقم مقارب لعدد القوات الأمريكية المنتشرة هناك في ذلك الحين، والرقم المنشور يمثل عشرة أضعاف المتعاقدين في حرب الخليج عام 1991م. كما نشرت بعض المواقع الغربية عن وجود نحو 30 ألف متعاقد في أفغانستان فقط.

يقول الكاتب بيتر سينغر أن هذه الشركات منتشرة في 50 بلدًا في العالم، وعلى جميع قارات العالم عدا القارة القطبية الجنوبية! كما يؤكد أحد موظفي هذه الشركات “رفض الإفصاح عن اسمه” في حديث لشبكة سي إن إن الأمريكية أن المرتبات مغرية للغاية بمتوسط 700 إلى 750 دولار في اليوم.

ما يميز هذه الشركات الأمنية هي أنها تؤدي نفس المهام العسكرية التي تؤديها الجيوش بعيدًا عن عيون الرقيب، ولا تلتفت للأعراف الدولية فلا تتم ملاحقتها ولا تعتبر أفعالها مهما بلغت بشاعتها بمسؤولية الدولة.

ووصفت الدكتورة أنجيلا سنيل من جامعة إلينوي كلية القانون التعاقد مع هذه الشركات بأنه “طريقة مريحة لحكومة الولايات المتحدة للتهرب من التزاماتها القانونية، بما في ذلك مسؤولية حماية حقوق الإنسان والمدنيين في الحرب والسلام، من خلال السماح للأفراد والشركات الخاصة، بدلًا من الجهات الرسمية الحكومية، لأداء المهام الحربية نيابة عن الجيش الأمريكي“

وفي هذا الوثائقي القصير يتقصى مراسل فايس عالم الشركات الأمنية الخاصة:


كانت أول شركة أمنية من بنات أفكار محاربين بريطانيين هما ديفيد سترلينغ وجون وودهاوس، إذ قررا عام 1956م إنشاء شركة خاصة يمكن التعاقد معها لأداء المهام الأمنية والعسكرية وأطلقا عليها مسمى “ووتش قارد إنترناشونال”، وبدأت أول مهمة للشركة في اليمن ثم توسعت لدول أخرى أفريقية وآسيوية، وأسس سترلينغ شركة أخرى وتوسعت لإدارة صفقات السلاح ثم ما لبث أن تزايد عدد وحجم الشركات العسكرية منذ ذلك الوقت وحدثت طفرة في أعداد هذه الشركات بعد الحرب الباردة حيث بدأت الحكومات الغربية بالاعتماد على خدماتهم بشكل متزايد. حيث ذكر في تقرير لمركز النزاهة العامة في واشنطن أن وزارة الدفاع الأمريكية قد وقعت منذ عام 1994 نحو 3901 عقدًا بلغت قيمتها 300 مليار دولار.

وكشفت دراسة للكونجرس أن 65% من القوات التي ترسلها وزارة الدفاع الأمريكية لأفغانستان هي لشركات أمن خاصة كما كشفت أن شركات الأمن الخاصة تشكل نسبة 29% من قوة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) وتقتطع ما بين 50% إلى 60% من ميزانيتها. وجاء ضمن نفس الدراسة أن وكالة الأمن القومي (إن إس أي) توظف نحو 480 شركة أمن خاصة. ولا يتم نشر إحصائيات القتلى من المرتزقة الذين يعملون للشركات الأمنية كقتلى ضمن الجيوش الرسمية بل تبقى أعدادهم حبيسة السجلات الغير معلنة. ويقدر باحثون أن أكثر من 1000 مرتزق قد لقوا حتفهم في العراق و2500 قتلوا في أفغانستان.

يقول إريك برينس، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة بلاك ووتر سيئة السمعة، “أن “خصخصة الحرب” تضمن كفاءة عسكرية أكبر وتقلل من الإسراف في الإنفاق”. ويضيف برينس “ما نحاول القيام به لجهاز الأمن الوطني يقارب ما تقوم به شركة فيديكس للخدمات البريدية الحكومية. فنحن نقدم الخدمات نفسها بشكل أفضل وأسرع وأرخص“.

وعند تعيينه وزيرًا للدفاع، قدم دونالد رامسفيلد مقترحات للحد من البيروقراطية والإسراف والنفقات العالية للقوات المسلحة الأميركية من خلال الحركة الأخف وزنًا والأكثر مرونة لآلات الحرب والمقاتلين من خلال تسخير قوة القطاع الخاص على جبهات متعددة.

يحرص رؤساء هذه الشركات على اقتحام الانتخابات الأمريكية ودعم المرشحين المتعطشين للحروب الذين سيجلبون بحروبهم الأموال الطائلة لهذه الشركات. فقد صدر عن مركز النزاهة العامة في الولايات المتحدة دراسة ذكرت أن 14 شركة من الشركات التي فازت بعقود في العراق وأفغانستان كانت قد تبرعت بنحو 23 مليون دولار للمرشحين للانتخابات الأمريكية منذ عام 1999، كان لجورج بوش الابن النصيب الأكبر منها حيث دعمته شركة بلاك واتر وحدها بـ 80 ألف دولار قبل شهر من بدء الانتخابات.

ورغم أن المحكمة العليا الأمريكية قد وضعت قيودًا تحد من دعم المرشحين إلا أن الشركات لازالت تبحث عن الرئيس الأكثر ميلاً للحروب والتدخلات الخارجية وهو ما رجح كفة الجمهوريين المعروفين بذلك، فكان نصيبهم من الأموال المدفوعة أثناء الانتخابات عام 2012 يقدر بـ 16 مليون دولار مقابل 11 مليون دولار لنظرائهم الديمقراطيين.

ومنحت شركة دبليو إم ديز (التي فازت بصفقة مراقبة أسلحة الدمار الشامل في العراق بعقد بلغت قيمته 1.2 مليار دولار) مبلغ 344 ألف دولار للمرشحين في الانتخابات الأمريكية ذهب 66% منها للجمهوريين.

فازت بعض هذه الشركات بعقود ضخمة للتدريب والحماية في دول الخليج. فقد تم توقيع عقد مع شركة فينيل الأمنية بقيمة 77 مليون دولار لتدريب منسوبي الحرس الوطني السعودي.

كما فازت شركة إيرني بعقد بقيمة 40 مليون دولار لحماية حقول النفط العراقية. واستأجرت بعض هذه الشركات مرتزقة من داخل العراق لممارسة المهام الأخطر كحمل السلاح وحماية المعدات العسكرية مقابل 600 دولار شهريًا يقابلها 8000 دولار شهريًا للمرتزق الغربي. وجلبت هذه الشركات في سبيل خفض التكاليف مرتزقة من أفريقيا وآسيا لمهمات الحماية.

وبعد نهاية الحرب في فيتنام فضلت الولايات المتحدة بعثرة المرتزقة في جميع دول العالم لعمليات التصفية والتجسس وبيع السلاح، فقد جندت مئات منهم للقتال ضد قوات التحرير في زيمبابوي وموزنبيق وضد قوات مدعومة من كوبا تقاتل في أنغولا وتم تجنيد آخرين في البوسنة ونيكاراغوا وشرق آسيا، وارتكب هؤلاء المرتزقة انتهاكات مروعة وعذبوا السجناء وقتلوا مدنيين. وكتب بوب ماكنزي أحد هؤلاء المرتزقة في مذكراته بعد عملية تفخيخ في زيمبابوي أدت إلى احتراق العديد من الجثث مجهولة الهوية ” إنه من السهل أن تكون إرهابيًا“.

تُدار أغلب شركات الأمن بأعضاء سابقين في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وتورط الكثير منهم في فضائح وعمليات إجرامية دون محاسبة تذكر. أشهر هذه الأسماء هو جوناثان كيث إديما الذي عمل في أفغانستان لتدبير الاغتيالات وزرع متفجرات أُدين بها المتمردون، وقام بتعذيب الكثير من الأفغان الأبرياء في السجون بل ذهب لأبعد من ذلك عندما قام باختطاف قاضي المحكمة العليا هناك. حُكم عليه بالسجن عشر سنوات وتم بالفعل سجنه في سجن يشابه الشقة الصغيرة كما وصفه جيرمي كوزماروف مجهزة بالسجاد الإيراني الفاخر وتلفزيون ووجبات فاخرة ثم عفا عنه الرئيس الأفغاني حامد كارازاي بعد 3 سنوات.

وترتكب شركات يتم التعاقد معها للحماية انتهاكات صارخة ومروعة حيث قامت شركة كاستر باتلز، التي كانت مكلفة بحماية مطار بغداد، بإطلاق النار بشكل عشوائي على مراهقين عراقيين غير مسلحين، كما دفعت بحافلة محملة بالأطفال ودحرجتها. وارتكبت شركة كارليل قروب انتهاكات مماثلة في الفلوجة حيث قامت بقتل وتعذيب مدنيين.

تغرق هذه الشركات في الفساد لتوفير النفقات مما تسبب في أضرار بالغة حتى لمنسوبيها حيث كشفت تحقيقات الكونجرس عن غش وضعف في البنايات التي شيدتها شركة كي بي آر والتي تسببت في مقتل 18 جنديًا أحدهم أصيب بصعق كهربائي أثناء الاستحمام لتداخل تمديدات الكهرباء والماء، بعد أن وقعت عقد إنشاء ضخم بلغت قيمته 39 مليار دولار. كما مرض 25 ألف جندي في الرمادي لإن الشركة لم تعقم مياه الشرب بشكل مناسب بسبب تدابير خفض التكاليف.

كما رُفعت على نفس الشركة مذكرة دعوى بسبب استمرار حرق خليط من مواد بلاستيكية والطلاء والمواد الطبية، مما سبب سحابة دخان سوداء في العراق عام 2003 يعتقد بأنها تحوي نسبة من غازات مسرطنة. كما رفع 16 شخصًا من الحرس الوطني بولاية إنديانا قضية على الشركة لتعريضهم لمياه ملوثة بمواد مسرطنة في العراق في نفس الفترة.

وارتفعت مصروفات الشركات في مناطق الصراع وفقًا لواشنطن بوست من 55 مليون دولار عام 2001 إلى 7.5 مليار دولار في 2008، وهذه المصروفات تشمل فقط السكن والتغذية وخدمات النظافة والتجهيزات العامة للشركات ما يدل على ارتفاع أعداد الحراس وزيادة تدفق الشركات الأمنية للدول المضطربة.

واكتظت الصحف والمواقع الغربية المستقلة بأخبار الفضائح حول ممارسات غير إنسانية ولا أخلاقية البعض منها تجاوز حدود الولايات المتحدة وأصبح فضيحة عالمية مدوية لكنها للأسف لم تردع هذه الشركات بل لم تؤثر في موقف الولايات المتحدة وبريطانيا منها.

نشرت صحيفة الوال ستريت جورنال في شهر ديسمبر عام 2009 مقالاً عن الحكم على ضابط سابق بسبعة عشر عامًا ونصف، وذلك بعد ثبوت تورطه في قضايا فساد حيث ساعد في حصول شركة أمنية على عقد عمل في العراق قيمته 110 مليون دولار بعد أن قبض مبلغ 5.4 مليون دولار كرشوة.

شركة داين كورب وقعت أيضًا عقود تدريب وحماية ضخمة وارتكبت انتهاكات وأعمال إجرامية. كانت الشركة مسؤولة عن حماية الرئيس الأفغاني حامد كارازاي ودربت قوات أمنية في أفغانستان والعراق.

وتم ضبط موظفي شركة داين كورب في عمليات تهريب مخدرات على الحدود الأمريكية بعد أن وقعت الشركة عقود أمنية في مجال “محاربة المخدرات” في كولومبيا !

يقول روبيرت كول أحد الحراس العاملين في شركة داين كورب أنه تم غسيل أدمغتهم وبرمجتهم ليتحولوا إلى “قتلة محترفين”، ويضيف أن أهم الدروس التي تدرس لهم في العراق هي “أن العراقيين لا يفهمون إلا القوة” وقد قيل له أثناء التدريب “أطلق النار أولًا ثم فكر لاحقًا”.

وضجت الصحف الأمريكية عام 2009 بفضيحة أخرى لشركة آرمر قروب تعرف بـ “فضيحة السفارة في كابول” حيث قام مجوعة من الحراس العاملين في شركة آرمر قروب والمكلفين بحماية السفارة الأمريكية في كابول بأفغانستان، بالرقص والقيام بطقوس غريبة ومهينة وهم شبه عارون، وانتشرت صورهم بشكل كبير في المواقع الإلكترونية فيما خلت السفارة من الحراس وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية بعد ذلك طرد ثمانية حراس بالإضافة لرؤسائهم.

وانفجرت بعد هذا الحادث سلسلة أخرى من الفضائح التي تم التكتم عليها، ومنها بيع الأسلحة في السوق السوداء للجماعات التي تقاتلها أمريكا ومنها طالبان والاتجار بالبشر وخصوصًا الفتيات في سوق الدعارة، حيث كشف الرئيس السابق للشركة جيمس قوردن في حديث لشبكة سي بي إس نيوز أن أحد العاملين في الشركة أراد شراء فتاة بمبلغ 20 ألف دولار وزعم أنه قادر على استرجاع المبلغ بفوائد بعد شهر واحد فقط.

كما كشف قوردن ضمن نفس اللقاء أن شركة آرمور قروب رغبت بقوة في الفوز بالصفقة فقدمت أقل سعر وهو 189 مليون دولار واستأجرت نظير ذلك 400 مرتزق غير مؤهلين ومشكوك في ماضيهم مما تسبب في سيل الفضائح المتوالية من كابول.

ونشرت هافينغتون بوست عام 2015 تقريرًا عن شركة جي فور إس البريطانية، وهي أشهر شركات الأمن الخاصة البريطانية وثاني أشهر شركة أمنية في العالم. حيث وقعت عقودًا مع إسرائيل لتزويدها بالمعدات والأجهزة الأمنية في نقاط التفتيش وبناء المستوطنات والسجون الإسرائيلية.

وأشار التقرير إلى أن الشركة متورطة في انتهاكات في العراق وأفغانستان تصاعدت بعد أن اشترت شركة آرمر قروب التي سبق الإشارة لها عام 2008. وتتواجد شركة جي فور إس في أكثر من 125 دولة حول العالم وفقًا لموقع بزنيس إنسايدر.

دفعت شركة كي بي آر أكبر غرامة في تاريخ الشركات الأمنية الأمريكية قُدرت بـ 579 مليون دولار، وفقًا لصحيفة واشنطن بوست، وهي الشركة التي فازت بربع العقود التي وقعتها وزارة الدفاع الأمريكية بإجمالي بلغ 24 مليار دولار. وجاءت هذه الغرامة بعد ثبوت تورط الشركة في رشاوي بلغت 182 مليون دولار دفعت لمسؤولين نيجيريين للفوز بصفقات في نيجيريا لمدة 10 سنوات متتالية بلغ إجمالي هذه الصفقات 6 مليار دولار.

قام أحد الموظفين في شركة تريبل كانوبوي عام 2007 بإطلاق النار بشكل عشوائي على عراقيين في سيارتهما بعد أن أخبر أحد زملائه بأنه يرغب في “قتل شخصٍ ما” قبل أن يذهب في إجازة!

وأطلق الحراس في شركة يونيتي ريسورس قروب الأسترالية النار على سيارة تقودها سيدة عراقية عام 2007، مما أدى لمقتلها هي والراكبة المرافقة لها عندما “اشتبه” بهما الحراس حال اقتراب سيارتهما من الشركة.

تتربع شركة بلاك واتر (التي تم تغيير اسمها إلى إكس إي منذ عام 2009 ثم إلى أكاديمي عام 2011) على القمة فيما يخص الفضائح الخاصة بالشركات الأمنية، وتحتل الصدارة في القائمة السوداء التي ازدحمت بالشركات التي تبحث عن المال عبر خلق المزيد من الفوضى. قدمت الشركة استشارات ووضعت خططًا لعمليات الطائرات دون طيار في العراق وساهمت في العديد من عمليات التصفية والاغتيالات.

وفي باكستان تم سجن مخبر سابق يُدعى ريموند ديفيس يعمل لدى شركة بلاك واتر بتهم منها قتل باكستانيين اشتبه بأنهم يلاحقونه منهم مواطن باكستاني كان يسير بدراجة هوائية على مقربة من ديفيس. الجدير بالذكر أن نسبة كبيرة من العاملين في شركة بلاك واتر هم ضباط مخابرات سابقين في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.

 ومع ذلك فقد فازت الشركة بعقود ضخمة منها مشاركتها في ملاحقة أسامة بن لادن في أفغانستان بعقد غير معلن. كما وقعت عقدًا لحماية بول بريمر رئيس سلطة التحالف المؤقتة في العراق عام 2003 بقيمة 27 مليون دولار كما وقعت عقد حماية في كابول بقيمة 5.4 مليون دولار. الرئيس التنفيذي والمؤسس هو إيريك برينس وهو محارب سابق في البحرية الأمريكية وداعم كبير للحزب الجمهوري. ويقدم برينس رجال شركته الشهيرة بأنهم “امتداد وطني للجيش الأمريكي”.

وقعت الشركة عقدًا مع الحكومة الأمريكية لتنفيذ عمليات الاغتيالات بطائرات الدرونز (بدون طيار) في أفغانستان، 30 عملية منها تم تنفيذها بإذن مباشر من الرئيس أوباما منها عملية لاغتيال قيادي في القاعدة يُدعى أبو غادية عام 2008 مات فيها 6 أشخاص ولا يُعلم إذا كان المطلوب بينهم.

قامت شركة بلاك وواتر بدور جبار في حماية المسؤولين الأمريكيين في العراق باحترافية عالية، وتفخر الشركة بأنها حمت “كل المسؤولين” الذين كُلفت بحمايتهم، لكن ذلك كان تحت شعار إرهابي معلن “ نحن نطلق النار ولا نتوقف لنجس النبض“.

وأحصى كارل هورست من الفرقة الثالثة مشاة للواشنطن بوست أن الشركة أطلقت النار على 18 مدنيًا عراقيًا بين شهري مايو ويونيو عام 2003 وقتلت منهم ستة في مهمات الحماية لخاصة بها.

في ليلة رأس السنة في بغداد عام 2006 خرج أندرو مونين أحد العاملين في شركة بلاك وواتر للمنطقة الخضراء وهو في حالة سكر شديد وأطلق النار بشكل عشوائي فقتل أحد حراس نائب الرئيس العراقي. تم التكتم على الحادث وعاد مونين للعمل لصالح وزارة الدفاع الأمريكية في الكويت بعد شهرين فقط من الحادث.

في السادس عشر من شهر سبتمبر عام 2007 أغار 4 حراس عاملين لدى شركة بلاك واتر على ساحة النسور في بغداد وأطلقوا النار بشكل عشوائي وقتلوا 17 مدنيًا أعزلًا منهم أطفال ونساء وأصابوا 24 شخصًا على الأقل.

وصرح بول سلاتين أحد الجناة بأنه أراد قتل أكبر عدد ممكن من العراقيين انتقامًا لضحايا 11 / 9 !، ودفع رؤساء الشركة مليون دولار لمسؤولين عراقيين ليتم التستر على الجريمة ليتم تجديد العقد مع الشركة لسبعة أشهر أخرى. كما تم تسوية الوضع مع عائلات الضحايا بدعوى قضائية في العراق وهي تسوية غير عادلة ومخادعة كما وصفتها عائلات الضحايا لصحيفة لوس أنجلوس تايمز وأدين الجُناة بتهمة القتل بالخطأ في المحكمة الاتحادية عام 2014.

كما نشرت النيويورك تايمز عام 2009 عن فضيحة بيع أسلحة في السوق السوداء في العراق قامت بها شركة بلاك واتر لمسؤولين وجماعات عراقية كجزء من تغطية الشركة لفضيحة ساحة النسور عام 2007 بلغت قيمة إحدى دفعاتها التي تلت الحادث مباشرة مليون دولار أمريكي.

يصف كاسبر تيندام في ورقة بحثية حول فضائح شركة بلاك وواتر وحشية الممارسات التي يقوم بها حراس البلاك ووتر، حيث يقومون بإطلاق النار على الأغلب من مركبات متحركة ولا يتوقفون لمعاينة الأضرار فضلاً عن مساعدة المصابين.

كما استخدمت الشركة الغاز لفض الازدحام من الطرقات في حال العمليات العاجلة. كما يضيف تيندام أن بلاك واتر شاركت بطائرات درونز في عمليات سرية لاستهداف قادة في تنظيم القاعدة في العراق وأفغانستان ولم تنجح أي عملية منها في تصفية هؤلاء القادة كما صرح مسؤولين وكان الضحايا من المدنيين الأبرياء.

يقول تيندام أن معظم الحراس التابعين للشركات الأمنية في المجمل يفتقدون للخبرة والتدريب الكافي للتعامل مع الحشود، فهم يمطرون المشتبه بهم بالرصاص بدلاً من إطلاق طلقات تحذيرية. كما يؤكد أن عدم وجود عقوبة رادعة أو أحكام قاسية للمتورطين سهلت المزيد من عمليات القتل العشوائية.
يذكر تيندام في بحثه أن موظفًا سابقًا في شركة بلاك واتر قدم في 3 أغسطس عام 2009 شهادة اليمين الدستورية أمام المحكمة الاتحادية في ولاية فيرجينيا -طالباً التحفظ على هويته خوفًا على حياته- متهمًا رئيس الشركة إيريك برينس بقتل أو بتسهيل قتل موظفين سابقين في الشركة ممن أفصحوا عن بعض فضائح الشركة. كما يزعم الموظف في شهادته أن برينس “يعتبر نفسه “مسيحيًا مكلفًا” بالقضاء على الإسلام والمسلمين من الكرة الأرضية وأن شركته شجعت وباركت تدمير حياة العراقيين”.
لم أكن أعلم ما الذي قد يوقفني عن البحث سوى عاملي الوقت والمساحة الممنوحة لي. أجزم بأن هناك المزيد من الفضائح والفظائع والتاريخ الأسود لشركات يبدو أنه كان لها من اسمها نصيب، جلبت معها لكل البلدان المنكوبة لعنة الدمار الذي لا يُرفع عن بلد حتى يغادرها آخر مرتزق ممن قدموا للمتاجرة بكل الأشياء الجميلة في هذا البلد.

قررت أخيرًا وضع نقطة النهاية لهذا البحث لكنها تحولت لعلامة استفهام لسؤال كان يطاردني مع كل كلمة أكتبها هنا أو أقرأها هناك:

لماذا يغفر العالم لهؤلاء المرتزقة المهندمون؟ ولماذا لا يسميهم السياسيون والمثقفون والغارقون في البحث عن قضايا الإرهاب بـ”الإرهابيبن”؟