2024-04-25 10:51 ص

اليمن... الجزائر خارج "عاصفة العرب"!!

2015-03-28
بقلم: محمد حسن مرين
قد تكون للمرء ملاحظات عديدة عن النظام الجزائري بعيوبه الكثيرة، ولكن تبقى الدبلوماسية الجزائرية أحد النقاط المضيئة في أداء النظام والدولة الجزائرية، وأحد الميادين التي تشهد استمرارية في زخم التراث السياسي الجزائري، منذ الثورة التحريرية، وهذا الأداء والموقف الدبلوماسي الجزائري في أوقات كثيرة كان يُعبّر عن منظور استراتيجي عميق، يتجاوز بكثير تلك السطحية والترهل في الأداء الغالب على الموقف العربي في مقاربة إشكالاته، كما يُعبّر عن مزاج جزائري يستند على نزعة استقلالية تتجاوز مختلف الضغوط التي تُمارس على المواقف العربية، ضغوط سياسية واقتصادية، جعلت القضايا العربية في سوق بيع وشراء للمواقف، وحتى ولو ظهر أن الجزائر أحيانا تغرّد خارج السرب العربي، الذي يقوده نفوذ البترودولار، فإن نتائج ذلك الموقف و مآلات تلك الأحداث كانت تنتصر للموقف الجزائري وتكشف عمق منظورها، خلاف مزاجية أكثر المواقف العربية وقصر بعضها، الذي غالبا ما جاءت نتائجه معاكسة. إن الموقف الجزائري من الأزمة اليمنية وقبلها السورية والليبية... يأتي في خضم هذا المسار السياسي والمبدئي، الذي لا يسقط في استعجاليه التعامل مع الأزمات، وروح الثار، وحروب الأزقة العربية، والتسليم بالنفوذ الأجنبي، الذي غالبا ما يخدم المشروع الأمريكي والإسرائيلي، على حساب الدم العربي، بمختلف العناوين، وللأسف أحيانا بعناوين دينية قدمت اللحم العربي الحي فداء لعروش ومكاسب دولية، لم يكن للإسلام والعرب فيها ناقة أو جمل، ولكن بفضل إعلام البترودولار وفتاوى السلاطين ولعبة الأمم التي يقودها العم سام نُسيت فلسطين، فمنذ السبعينيات والموقف العربي البترولي واغتيال الملك فيصل، تحوّلت البوصلة إلى خلق الجهاد البديل، وانتقلت قبلة القدس إلى أفغانستان، وتم بناء مشروع الشرق الأوسط الثابت المتجدّد، الذي يتسم بثلاث خطط جهنمية: - الإرهاب بوصفه الجهاد البديل عن الجهاد الحقيقي لتحرير فلسطين. - المحاصصة الأمريكية للعمل السياسي، لتفجير الأنسجة الاجتماعية، بتسخير المنهج التكفيري، والصراع الطائفي، الذي يغرق في الفتن بوصفه البديل عن الإسلام الحقيقي الجامع والحضاري. - العدو الداخلي والإقليمي البديل عن العدو الإسرائيلي. لقد سقطت بعض الجماعات الدينية في مصيدة الدعاية، بفعل المجهود التجييشي المستند على الإعلام العربي والفتاوى المعلّبة، واستُعملت وقودا لحروب مقدسة وهمية، بسبب سذاجتها الدينية والسياسية، وأصبح الشباب العربي بما فيه الفلسطيني يترك فلسطين ويذهب للجهاد في أفغانستان!! وأصبح اللباس الأفغاني شعارا للتدين، بقدرة قادر، حتى تحوّلت أفغانستان إلى خراب ببركة تقاتل المجاهدين الجدد، وبعد ذلك السيرك الجهادي الذي قدّم صورة قاتمة عن الإسلام، ولو أن الأموال التي صُرفت عليه صُرفت على المجتمع الأفغاني لتحوّلت أفغانستان إلى يابان آسيا الثانية. وجاءت حلقات حروب الخليج على رأس العراق، الذي قدّم الكثير للعرب في حروبهم، وبسبب خلاف مع صدام حسين الذين دعّموه في حربه مع إيران، في الوقت الذي قدمت فيه الجزائر وزير خارجيتها، محمد الصديق بن يحيى، وهو من خيرة دبلوماسييها، فداء للسلام بين البلدين الجارين، وانتهت الحرب بمليون قتيل !! ومئات ملايير الدولارات، وانفض العرب على خلافهم مع صدام بعد أن ضاق بهم بسبب سياستهم البترولية المضرة بالمصالح العربية، فشنوا الحرب على العراق، وحذّرت الجزائر من أن إسقاط العراق وجلب الأمريكي سيدفع ثمنه العرب أنفسهم، وذاك ما كان، ما إن سقط العراق حتى بدأ العرب أنفسهم يتباكون على النفوذ الإيراني في العراق !!. ثم ابتُليت الجزائر بهذا الجهاد البديل !!، وعوض أن يسمع بعض العرب أن الدائرة ستدور عليهم يوما رفعوا خناجرهم، وإعلامهم التحريضي بين الجزائريين، اختصروها في سؤال من يقتل من؟ وخابت محاولاتهم في الإساءة إلى الجيش الجزائري على مر سنوات، حتى عرفت الجزائر كيف تخرج من عنق الزجاجة دون أن تمارس الدور نفسه، أو تنتقم من أشقائها، بل مدت لهم يد الصداقة من جديد، حتى جاء الربيع العربي، وهرولت ذات الأنظمة للتطبيل للخراب العربي والتحريض بين جماعاته، وتفكيك النسيج الاجتماعي للدول المصابة، فتحوّلت سوريا إلى أنقاض، وليبيا إلى ميدان للعصابات، وكادت مصر أن تغرق، وأخيرا وليس آخرا اليمن السعيد الشقي بجيرانه العرب، والأداء العربي نفسه الذي يصنع للغوغاء والجماعات الدينية التي لم تُرد أن تتعلم، حروبها المقدسة الصغيرة، بينما يُمسك الأمريكي وخلفه الإسرائيلي بخيط اللعبة الكبيرة، في إغراق هذه الأمّة في دمائها، واللعب على عصبياتها، بالآليات ذاتها، إعلام البترودولار، الجماعات الدينية، الطاقة، شراء المواقف. كان الموقف الجزائري من اليمن الموقف الوحيد المُحرج، لأن الموقف العراقي واللبناني عادة يوصم نكاية بالقرب من النفوذ الإيراني، بسبب الوجود الشيعي في البلدين، فبقي الموقف الجزائري يُعبّر عن الضمير، والعقل العربي الرسمي لا يُريد سماع صوت الضمير، الذي يؤنّبه على استسهال المتاجرة بالدم العربي، بعناوين قومية ودينية، لا يُصدّقها إلا المتطرفون، الذين أعمي التعصب بصيرتهم. لا أحد عاد يُذكرنا بفلسطين، وكأنها في كوكب آخر، وقُرّت عين الإسرائيلي بهذا المشهد العربي، وجاء من يشفي غليله في الولوغ في الدم العربي، وبقرار خليجي ليلي، اتفق التحالف العربي الذي لم يطلق أو يعطي رصاصة واحدة للمقاومة الفلسطينية، ولم يقم بعُشر مجهوده في الربيع العربي من أجل فلسطين، مع أن في فلسطين تتوفر كل مزاعم وشعارات عرب الاعتدال، فالشعب الفلسطيني1: شعب عربي2: شعب مظلوم يُعاني من الاحتلال والتشريد والتعذيب وآلاف المعتقلين3 شعب أغلبه من المسلمين السُنّة !! 4: احتُل منذ 1948، 5: قريب جغرافيا ومحيطه الجغرافي كله عربي... ولكن شاءت الإرادة العربية أن تأخذنا إلى مكان آخر، وتفتح لنا مزادا للحروب في الوطن العربي، ومرّة أخرى أخطأ العرب الحسابات، وقد قاموا بحركة لن يجنوا منها سوى الخيبة، لقد جنوا من أفغانستان الإرهاب، وجنوا من العراق الطائفية، وجنوا من الربيع العربي الغوغائية، التي حوّلت الشوارع العربية إلى أزقة للحروب. مرة أخرى يأتي الموقف الجزائري من بعيد، ليقول للعرب لا تدخلوا المستنقع اليمني، لا تفتحوا على العرب جبهة وهمية أخرى، فإيران لن تختفي من الخارطة الجغرافية ولو حُرق اليمن كاملا، فأمريكا والغرب على خلافهم يقبلون بالحوار مع إيران، فلماذا لا يختار العرب سياسة واقعية تجنبهم حصاد الشوك، وأثمان الحروب الداخلية، لماذا لم يُحسن النظام العربي الممارسة السياسية في احتواء الأزمات بدل صناعة الحروب، ومواجهة تحديات النظام العربي الرسمي بدل شماعة النفوذ الإيراني، فالنظام الرسمي العربي عليه أن يتغير لا أن يطلب من التاريخ والجغرافيا والزمن بالتغير، فالمجتمعات العربية هي مجتمعات متنوعة، والأجيال العربية لها متطلبات عصرية، والنظام العربي عليه أن يتكيف مع درس الربيع العربي، بدل سياسة الكيد السياسي لرمي كرة النار بين الأيدي، ومحاولة وضعها في البلدان التي لا تدور في فلكهم، أو الدول العربية الأكثر فقرا، الصومال، السودان، اليمن، سوريا،لأن في النهاية الحريق سيصل العروش التي اختارت الحلول التأجيلية، أيها العرب التفتوا إلى الموقف الجزائري، قبل فوات الأوان كما فاتكم في أفغانستان والعراق ولبنان وسوريا فلا تضيّعوه في اليمن.

الملفات