2024-03-28 01:04 م

رياح الموت تضرب تونس «أم الثورات»

2015-03-19
تونس/ الطعنة في صميم «الاستثناء التونسي» الذي كان حتى الامس بالنسبة الى كثيرين، يميز «أم عواصم الثورات العربية» التي كانت نجحت في تمرير المرحلة الانتقالية بأقل الخسائر الممكنة سياسياً وأمنياً. لم تعد تونس الاستثناء، بعدما اصحبت هدفاً للإرهاب «الداعشي» الممتد من العراق وسوريا شرقاً، الى الصحراء الغربية ونيجيريا غرباً، مروراً بمصر وليبيا.
لم تعد تونس «الاستثناء» في مسار دول «الربيع العربي»، بعدما كانت شهدت انتقالين هادئين للسلطة السياسية بداية الى «حركة النهضة» الاسلامية، بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي في كانون الثاني العام 2011، ومنها الى «حزب نداء تونس» ذي التوجهات البورقيبية من خلال اول انتخابات رئاسية مباشرة، لتبقى بعيدة عن خطر العنف «الجهادي» ما عدا بعض الحوادث المتفرقة، وتحديداً في سلسلة جبال الشعانبي على الحدود مع الجزائر.
هكذا، ومن دون مقدمات، كان الأربعاء الدامي في تونس يوم امس محطة عبور من التأكيد المستمر على «الحدود الآمنة» إلى «العاصمة المهددة» أمنياً وسياسياً، حيث تمكن مسلحون مجهولو الهوية حتى الساعة، من خرق المنظومة الأمنية التونسية في وضح النهار، والقيام بهجوم إرهابي في قلب معلم ومتحف باردو العريق، الذي يقع على بعد خطوات من مبنى البرلمان التونسي، ويفصله عنه جدار أمني، ما أسفر عن مقتل 22 شخصاً، بينهما 20 سائحاً اجنبياً، وإصابة نحو 50 بجروح.
وتكمن خطورة عملية باردو في بعدها الأمني، إذ تعكس قدرة التنظيمات المتشددة على اختراق مربع أمني حساس، مثل مبنى المتحف الواقع داخل قصور باردو التاريخية، ومن ضمنها مقر البرلمان التونسي، ما يثير الشكوك بشأن التدابير الأمنية التي تتخذها الحكومة التونسية في الحرب المفتوحة ضد الجماعات التكفيرية، والتي أوقعت عشرات الضحايا في صفوف المدنيين وقوات الأمن والجيش، فضلاً عن مئات الجرحى.
كما تكمن خطورة العملية الإرهابية باختيار متحف باردو تحديداً هدفاً لها، وهو معلم سياحي عريق، كان يغص يوم امس بعشرات الزوار، ويرتاده سنوياً عشرات آلاف الأجانب، في ما بدا محاولة لضرب السياحة التونسية، مع بدء الموسم الحالي الذي يعوِّل عليه التونسيون كثيراً، بعد سنوات من تراجع النشاط السياحي بسبب الأوضاع غير المستقرة التي اعقبت الثورة على نظام بن علي، وهو ما ألمح اليه رئيس الوزراء التونسي الحبيب الصيد حين قال إن «هذه العملية استهدفت الإضرار بالاقتصاد والسياحة في تونس».
وفي تفاصيل العملية الإرهابية، فقد قُتل 22 شخصاً، بينهم 18 سائحاً أجنبياً من جنوب أفريقيا وفرنسا وبولندا وإيطاليا وإسبانيا وكولومبيا، فيما أصيب 50 آخرون. كما استشهد أربعة تونسيين، من عناصر الأمن من فرقة مكافحة الإرهاب وسائق حافلة سياحية ودليل سياحي وعاملة تنظيف تعمل في مقر المتحف.
وعاشت تونس عملية إرهابية دموية اهتزت لها أركان البلاد من جنوبها الى شمالها، على بعد أمتار قليلة من مبنى البرلمان بعدما تمكنت مجموعة إرهابية من استهداف مجموعة سياحية داخل المتحف الأثري باردو، ليسجل الإرهاب نقلة نوعية وتكتيكية في ضرباته من استهداف العسكريين في الحدود والجبال الى ضرب المقار الرسمية والمنشآت السيادية في العاصمة.
جرت العملية الإرهابية ظهر أمس، الاربعاء حيث تمكن أربعة إرهابيين من التسلل واختراق جحافل السياح، لتدوم العملية الأمنية أكثر من ساعتين تبادل خلالها إطلاق نار من الجانبين انتهت بمصرع إرهابييْن اثنين وإلقاء القبض على آخريْن تحصنا داخل مبنى المتحف الأثري بعد محاصرتهم عدداً من الرهائن.
عملية تمشيط أمني واسعة النطاق غطت محيط المنطقة بعد أن تم إجلاء البرلمان من الموظفين والنواب والسفراء والوزراء الحاضرين في قاعات المجلس حال انطلاق المواجهات، ليقرر البرلمان عقد جلسة عامة استثنائية فور القضاء على الإرهابيين، فيما تتواصل ملاحقة مجموعات إرهابية اخرى في ضواحي العاصمة وفي مناطق قريبة من مسرح العملية الإرهابية.
وتعهد الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي بمقاومة الإرهاب «بلا شفقة ولا رحمة». وأضاف في خطاب متلفز إلى الشعب التونسي «إننا في حرب مع الإرهاب وهذه الأقليات الوحشية لا تخيفنا وسنقاومها إلى آخر رمق بلا شفقة وبلا رحمة». ليؤكد في ما بعد المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية معز السيناوي أن السبسي دعا إلى اجتماع طارئ اليوم، لقادة الأمن والجيش لإعلان الحرب على الإرهاب.
بدوره، قال وزير الخارجية التونسي الطيب البكوش إن «ما يوفر تربة خصبة للإرهاب هو عدم الاستقرار وغياب الدولة في ليبيا»، مضيفاً أنه «طالما استمر الوضع على ما هو عليه فجميعنا مهددون».
وتابع «نحن ندعم أي تحرك يهدف الى التوصل الى حل في ليبيا من أجل أن تكون هناك حكومة واحدة قادرة على السيطرة على الأراضي الليبية»، معتبراً ان «هذه هي الوسيلة الوحيدة للتصدي للإرهاب».
وتجمع مئات التونسيين  امام المسرح البلدي في قلب العاصمة، للتنديد بالهجوم الارهابي، رافعين أعلاماً تونسية، وهاتفين بشعارات معادية للإرهاب، من بينها «تونس حرة والإرهاب على برة» و»دحر الإرهاب واجب» و»بالروح بالدم نفديك يا علم».
رئيس البرلمان محمد الناصر، الذي عقد جلسة عامة خارقة للعادة مساء وقوع الحادثة، أكد أن هذه الجلسة هي رسالة مضمونة الوصول الى الإرهابيين بأن النواب والشعب لا يخشون الإرهاب وسيواصلون عملهم وتأدية واجبهم برغم كل ما حدث، مشيراً إلى أن البرلمان لن يعلق أعماله «بل ستزيد هذه الحادثة التونسيين لحمة والتفافاً ووحدة».
رئيس الحكومة الحبيب الصيد، ندد بدوره بالعملية الإرهابية واعتبر أن هذه العملية الجبانة تستهدف في المقام الاول الاقتصاد التونسي الذي يمر بأزمة حالياً وهو «ما يجعلنا نتحد صفاً واحداً للدفاع عن وطننا لأن الحرب ضد الإرهاب طويلة المدى وتتطلب جهود الجميع من أحزاب ومجتمع مدني لمواجهة هذه الآفة التي تهدد استقرار البلاد ونموها». وعبَّر رئيس الحكومة عن تخوفه من تداعيات هذه العملية الدموية النكراء.
وسارع رئيس «حركة النهضة» الإسلامية راشد الغنوشي، إلى التنديد بالهجوم، قائلاً للمنفذين إن «إرهابكم سيُداس بأقدام الشعب التونسي».
وأضاف الغنوشي في رسالة بثتها صفحة «النهضة» على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»: «نحن نقول لكم: لن تكسروا شوكتنا ولن تنتصروا على وحدتنا».
عن صحيفة "السفير" اللبنانية