2024-03-29 05:33 م

حرب الجيل الرابع وخفاياه

2015-03-17
بقلم: الإعلامية مها جميل الباشا
اجبرونا على تحمل تبعات حربهم علينا رغماً عن انوفنا هذا قدرنا .. لكن أن يجبرونا على تسميتها ثورة كما يدعوّن هذا ما لا نقبله لا الآن ولا في المستقبل شاء من شاء وأبى من أبى... معظم السوريين كانوا يدركون لا بل كانوا واثقين بأن بلدهم مستهدف منذ أن وقفوا إلى جانب المقاومة اللبنانية في مقاومتها للاحتلال الصهيوني منذ العام 1980 و طرده من لبنان عام 2000 إلى حربها في تموز 2006 والتي تكللت جميعها بالنصر الكبير للمقاومة على مرتزقته التي كان يتفاخر بها نهارا جهاراً بانها اقوى مرتزقة على الأرض العربية. السوريون لم يقفوا إلى جانب المقاومة اللبنانية فحسب وإنما وقفوا إلى جانب المقاومة الفلسطينية منذ نشأتها وصولاً إلى العدوانين على غزة عامي 2008 – 2014 واللذين انتهيا بنصر واضح للمقاومة، وقبلها الوقوف إلى جانب المقاومة العراقية اقتصادياً واجتماعياً ... إن الكيان الصهيوني لم ينس يوماً خسارته الكبرى في حرب تشرين الأول عام 1973 أمام الجيش السوري، هذا الانتصار الكبير لسورية رسم خريطة الانتصارات الأولى والتي توالت بعد ذلك تلك الانتصارات التي ذكرتها آنفاً، اضف إلى ذلك ما زرعته تلك الانتصارات من رعب وخوف لدى الكيان الصهيوني الذي دام أكثر من أربعين عاماً وما زال. كل ما ذكرته كان كفيلاً ليجعل الحلف الأمريكي الصهيوني يخطط ويرسم خريطة مستقبلية قوامها الرد على تلك الانتصارات أولاً، ولحماية وجود الكيان الذي بدأ يتزعزع ويترنح بين الحياة والموت ثانياً، لإنجاح هذه الخريطة كان لا بد لهذا الحلف من الدخول عبر بوابتين (الإسلام السياسي و تفكيك الجيوش العربية)، لذلك شنوا حرباً مفتعلة على العراق في عام 2003 راح ضحيتها مؤسساته وشعبه وجيشه الذي يقاتل الآن بشراسة مستعيداً هيبته وقوته التي حقق منها نسبة كبيرة. للوصول إلى سورية كان لا بد من تنفيذ المرحلة الأخيرة من مخططهم، وهي استخدام أداة الإسلام السياسي فجندوا لهذه الغاية ضعاف النفوس في منطقتنا العربية والإسلامية، التي ابتدأت بتونس وليبيا ومصر واليمن، فأدت إلى تغيير أنظمتهم وخلق فوضى عارمة كانت نتيجتها قتل العديد من الأبرياء، وحتى الآن لم تستقر أوضاع هذه البلدان بالرغم من مرور ما سميّ ربيعاً عليها. هل ما آلت إليه حال هذه البلدان اليوم أفضل مما كانت عليه ؟؟؟ ما من ثورة في العالم إلا وأهدافها تعود بالمصلحة على بلدانها وليس من أجل مصالح استعمارية !! عندها فقط تصبح ثورات مفتعلة تحمل العديد من علامات الاستفهام (بدءاً من الثورة البرتقالية وصولاً إلى الربيع العربي). كان السوريون يتابعون بمرارة ما يحصل في تلك البلدان مستبعدين حصول ذلك في بلدهم، من عاش بالقرب من السوريين يعي ويدرك بأن هذه الثقة غير مبالغ بها، لأن السوري كان ينعم بحياة رغيدة يغلفها جدار منيع من الأمن الذي تحدث عنه العديد من مراكز ومعاهد الدراسات والأبحاث الغربية. هنا لا بد لي أن اسأل: ماالذي حدث ؟؟؟ كم من الأموال دفعت لإثارة الحرب على مساحات شاسعة من سورية، ومن موّلها ؟؟؟ ما هي العوامل التي ساهمت في انتشارها على أجزاء كبيرة من الأرض السورية ؟؟ لماذا بدأت الحرب على سورية من بوابة الأرياف وليس من المدن، ومن الجوامع حصراً ؟؟؟ من تمّ توظيفهم لهذه الحرب ؟؟ هل نجح مبتغاهم ؟؟؟ ما حدث في سورية ليس آنياً بل بدأ التخطيط له بعد سقوط بغداد بيد الولايات المتحدة الأمريكية ، كان هذا واضحاً في المطالب الأمريكية – الصهيونية التي حملها وزير خارجية أمريكا (باول) في تلك المرحلة إلى الرئيس بشار الأسد مباشرة (تجريد المقاومة اللبنانية من سلاحها وإبعادها عن الحدود – الوجود السوري في لبنان _ المخيمات الفلسطينية). الضغوط الأمريكية الصهيونية رُفضت رفضاً قاطعاً من قبل القيادة في سورية ، ولم يمض وقت طويل على الرفض السوري لتلك المطالب حتى أصاب لبنان زلزالاً عنيفاً ذهب ضحيته رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري. إلى الآن ما زال البعض يشكك في حادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري مستبعداً أن تكون هذه الحادثة جزءاً من تنفيذ ما خطط له ذلك الحلف بغية النيل من سورية كدولة، وليس فقط لسحب الجيش العربي السوري من لبنان، لكنهم أرادوا أكثر من ذلك ألاّ وهو خط القيادة السورية المتمثل بالممانعة والمقاومة والداعم لكل المقاومات التي تقف في وجه الكيان الصهيوني كحجر عثرة، لكنّ فشلاً ذريعاً أضيف إلى فشلهم السابق. في الحقيقة إن المقاومة مبعث قلق لكيان العدو الصهيوني بشكل مباشر وللولايات المتحدة الأميركية بشكل غير مباشر، للنيل منها كان لابد لهم من كسر الذراع الداعم لها (سورية) والذي أكده العديد من الكتّاب والإعلاميين والسياسيين الغربيين. لم يخطئ المستشرق الفرنسي فريديريك بيشون عندما وصف ما حدث ويحدث في سورية بأنها مؤامرة ممتدّة من أمريكا وأوروبا إلى بعض دول الخليج العربي ووسائل إعلام غربية وعربية، تستهدف إسقاط النظام السوري وبالتالي حسب اعتقادهم تسقط المقاومة. فند المستشرق الفرنسي المؤامرة بأنها اعتمدت على أخبار وتحليلات مضللة تبثها منظمات غير حكومية مرتبطة ببرامج أمريكية رصدت لها ملايين الدولارات للعبث بمقدرات الشعب السوري (الجزيرة- المرصد السوري لحقوق الإنسان في لندن ويقال إنه تابع للإخوان المسلمين) ما يؤكد كلام المستشرق هو أن هذه المنظمات غير الحكومية لا توجد إلا في دول محددة لها علاقة بالعبث بسورية. مظاهرات مفتعلة.. صور مزيفة.. وقائع مفبركة .. تجييش إعلامي غربي وعربي غير محدود وغير معهود لنشر حريتهم وديمقراطيتهم بغية التأثير على المواطن السوري.. لكن لا جدوى كلها سقطت عند وعي وصمود الشعب السوري. استحضار عامل الدين من عقر داره (المساجد) خاصة في بعض الأرياف مستغلاً جهل وطيبة وحاجة أهله إلى المال لعله يفي بالغرض المنشود، لكن قلة من المواطنين استجاب لغرضهم وهذا ما سبب لهم خيبة امل أخرى، ولاسيما أن الأغلبية العظمى من السوريين رفضوا الاستجابة لأنهم يعون ويدركون مدى خطورة ذلك (جرائم الإخوان المسلمين 1980 ما زالت في ذاكرتهم). لدعم مؤامرتهم استحضروا من غوانتانامو ..من ابو غريب ..من رومية في لبنان ..من السجون الأردنية والسعودية والقطرية ..من 80 دولة متهمين بأفظع الجرائم الدموية (إرهابية) تحت مسميات (النصرة – أحرار الشام – القاعدة في بلاد الرافدين وآخرها داعش) إلى كل من سورية والعراق بغية تفكيكهما. لولا التمويل الخليجي الباهظ وفتح الحدود الشمالية والجنوبية والغربية على مصراعيها لما استمرت مؤامرتهم أربعة أعوام. سورية بلد علماني متعدد الطوائف والأحزاب ، الغالبية العظمى من شعبه ينتمي لوطنه انتماءً غير محدود، شعب يساند قيادته في نهجها السياسي المقاوم والممانع الذي من الصعب تفككه لا يسعني بعد كل ما تمّ إلاّ أن استشهد بما قاله الرئيس السابق للاستخبارات الفرنسية برنار سكوارسيني إن ما حصل ويحصل في سورية أقلّ من انتفاضة، وأكبر من مؤامرة. أربعة أعوام والحرب على سورية مستمرة، أعين أصحابه تراقب الإنجازات المذهلة التي حققها الجيش العربي السوري في مواجهتهم، انجازات غيرت وجهات الدول الإقليمية السياسية والعسكرية. لتصبح سورية قوة لا يستهان بها وملف إسقاطها في مهب الريح. سورية قوة لا يستهان بها وملف إسقاطها في مهب الريح .. كيف لا والولايات المتحدة الأمريكية وقرارها الأوحد أصبح الآخر من القرارات الدولية والإقليمية، روسيا والصين إلى الواجهة العالمية، إيران أثبتت وجودها (ملف التفاوض)، المقاومة اللبنانية والفلسطينية والعراقية أقوى مما كانوا عليه. المؤامرة الأمريكية الصهيونية لم تحصد إلا تدمير البنى التحتية وقتل الشيوخ والأطفال والنساء على حد سواء وتشريد مواطنين ذنبهم انهم ينتمون إلى بلد يتمسك بنهجه الممانع والمقاوم للصهيونية. عبر التاريخ واجهت سورية حروباً ضارية وكل مرة كانت تعود بأفضل مما كانت لذلك باشرت منذ ايام بمشروع إعادة الإعمار للمناطق التي قام الأعداء بتدميرها. ما من دولة إلا وفيها أخطاء لكن لماذا لم يحصل بها ما حصل في سورية، الجواب واضح فالقصة ليست تصحيح أخطاء فحسب وإنما طمث هوية وحضارة سورية عن بكرة أبيها. وتغيير وجهتها إلى الواجهة التي يريدونها. اقترب السوريون من عتبة الخروج من الحرب مع الحفاظ على وطنهم وإعطاء العالم درساً قاسياً بعد خسارته المال والعتاد، ولم يبق لهم إلا البحث عن خروج مشرّف من سورية كما فعلوا بعد خسارتهم بحرب فيتنام.