2024-04-25 12:29 ص

ركائز الاستراتيجية الامريكية في المنطقة واستهداف الجيوش العربية (2)

2014-10-30
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
تحقيق مجمل الاهداف الاستراتيجية التي تعرضنا لها في الجزء الاول على المستوى الإقليمي، استدعى العمل على عدة محاور كان من أبرزها ربما العمل على القضاء أو إنهاك القدرات القتالية لأي جيش عربي وطني، الذي يمكن أن يشكل خطرا استراتيجيا على الكيان الصهيوني أو المصالح الامريكية في المنطقة في يوما من الايام، أو على الأقل العمل على تحييد هذا الجيش في الصراع مع العدو الصهيوني. الجيش المصري أظهرت حرب 1967 التي بدأها العدو الصهيوني على الجيوش العربية، ضعف وهشاشة البنية العسكرية التسليحية والقتالية للجيوش العربية، على الرغم من وجود بعض البطولات الفردية هنا وهتاك، التي بالطبع لا يعول عليها لكسب المعارك او الصمود في وجه العدو الصهيوني. الى جانب ذلك كشفت الحرب الهوة التكنولوجية بين ما يملكه العدو الصهيوني والجيوش العربية، والعائدة بالأساس الى تزويد الولايات المتحدة جيش الكيان الصهيوني بأحدث الأسلحة والتقنيات العسكرية، لضمان تفوقه النوعي على كل الجيوش العربية مجتمعة. ومن هنا كان لا بد من عملية اعادة بناء الجيوش العربية التي تجرعت هزيمة 1967 على أسس مختلفة كلية عما سبقها. ولقد بذلت مصر مجهودات جبارة بهذا الشأن، وخصص الرئيس الراحل جمال عبد الناصر جل اهتمامه شخصيا بهذا الموضوع قبل أن تتوفاه المنية عام 1970. ولقد ظهرت هذه المجهودات التي تراكمت حتى بعد رحيله في عبور قناة السويس من قبل الجيش المصري الذي عده الكثيرون من الخبراء العسكريين الغربيين أنه معجزة عسكرية. واستطاع الجيش المصري والسوري الذي قاتل على جبهة الجولان بالتزامن بكل ضراوة وشجاعة، ان الجيوش العربية تمتلك القدرات والامكانيات لمقاتلة الجيش الصهيوني وإلحاق الخسائر الجسيمة المادية والبشرية في صفوف جنوده إذا ما أحسن التجهيز والإرادة السياسية لخوض المعركة. ولولا التدخل الأمريكي بالأقمار الصناعية التي رصدت من خلالها ما أصبح يعرف بثغرة الدفرسوار التي اتاحت للجيش الصهيوني فرصة الالتفاف على احدى فرق الجيش المصري آنذاك ومحاصرتها، بالإضافة الى الجسر الجوي من واشنطن لنقل الأسلحة الامريكية الى العدو الصهيوني، وكذلك اتخاذ القرار العسكري من قبل الرئيس السادات بوقف الحرب مخالفا رأي الشاذلي رئيس هيئة اركان الجيش المصري آنذاك، لربما انتهت الحرب الى نتيجة أفضل بكثير مما انتهت اليه. على العموم نحن لسنا بصدد تقييم هذه الأسباب، ولكن ما يهمنا ان ننوه به هنا، الى أن هذه الحرب كانت ربما أول مجابهة فعلية يتعرض بها الجيش الصهيوني الى ضربة موجعة ومؤلمة بالمعنى العسكري لهذه الكلمة وبالتالي وضعت أول أسفين ليزعزع ويخلخل مفهوم ونظرية الجيش الذي لا يقهر. وربما هذا ما أدركته مراكز ودوائر القرار في واشنطن والكيان الصهيوني، وكان من الضروري العمل على تحييد هذا الجيش وإخراجه من دائرة الصراع "العربي-الإسرائيلي" بأي ثمن، لان بهذا نوع من تفتيت الجهد العسكري العربي الموحد، وبالتالي اضعاف القدرات العسكرية العربية، وإمكانية الاستفراد بالجيش العربي الوطني لكل دولة عربية على حدة مما يسهل عملية دحر هذه الجيوش إذا ما نشأت الفرصة والظروف المواتية لذلك مستقبلا. ومن هنا بدأ العمل بجدية على السادات والطبقة السياسية والعسكرية المصرية، وفي 17 سبتمبر 1978 وقعت معاهدة السلام التي عرفت باتفاقية كامب ديفيد المشؤومة بين الرئيس المصري السادات ورئيس الوزراء الصهيوني مناحيم بيجن، والتي بها استرجعت مصر منطقة سيناء التي كانت قد احتلها الجيش الاسرائيلي عام 1967. وكان ربما من أهم نتائج هذه الاتفاقية هو انهاء حالة الصراع المصري الرسمي مع العدو الصهيوني، وبالتالي اخراج الجيش المصري من دائرة الصراع "العربي-الإسرائيلي" كلية. وللتأكيد على الامن الإسرائيلي فان الاتفاقية تضمنت بنود وتفاهمات أمنية صارمة ومهينة للسيادة المصرية فيما يختص بسيناء، وذلك بعدم السماح للجيش المصري بالتواجد في سيناء الا بأعداد محدودة جدا وبنوعية أسلحة معينة يوافق عليها الطرف الإسرائيلي، بمعنى أن سيناء يجب أن تكون منطقة منزوعة السلاح. ومن الواضح أن الجانب الأمني كان هو الطاغي على الاتفاقية. أمنت إسرائيل الجانب المصري وحدودها مع مصر، هذه الحدود التي لو بقيت الحالة كما هي قبل الاتفاقية لكان لزاما على إسرائيل ان تخصص مليارات الدولارات لتأمينها، وذلك بحسب المحللين العسكريين الإسرائيليين أنفسهم. وفي محاولة لشراء الجيش المصري قامت الولايات المتحدة بتضمين بند ينص على منح الجيش المصري ثلاثة مليارات دولار سنويا، يحصل عليها من البنتاغون الذي يقوم يتحديد طبيعة ونوعية الأسلحة التي يتم تزويد الجيش المصري بها من الشركات الامريكية الخاصة بالإنتاج العسكري، ويقوم البنتاغون بدفع قيمتها من المنحة التي بين يديه. ولا ندري إذا ما كانت هذه المنحة قد ارتبطت بتفكيك البنية التحتية للتصنيع الحربي المصري ام لا، والذي غاب عن الساحة المصرية منذ زمن بعيد. والمنحة كذلك تضمنت تدريب الجيش المصري، واعطاء دورات تدريبية وتعليمية في المعاهد العسكرية الامريكية لترسيخ "العقيدة" العسكرية الامريكية والقيم الامريكية لكبار الضباط المصريين، كما كان الحال مع العديد من ديكتاتوريات دول أمريكيا اللاتينية. وبهذا فان تسليح الجيش المصري أصبح رهينة لدى البنتاغون، ومشيئة الطبقة السياسية الامريكية ومدى رضاها على سلوك الجيش المصري. وللتدليل على ذلك نأخذ مثالين من فترة زمنية ليست بالبعيدة. الحدث الأول هو قيام الإدارة الامريكية بإلغاء المنحة ( ثم عادت وقالت انها مجرد تعليق) المقدمة للجيش المصري على أثر تدخل الجيش بالأحداث في مصر وازاحة الرئيس الدكتور مرسي من رئاسة الجمهورية، على أثر المظاهرات الشعبية التي عمت شوارع المدن الكبرى في مصر والتي طالبت بتنحيه عن السلطة. لم يرق للإدارة الامريكية أن يقوم الجيش بتنحية الدكتور مرسي عن سدة الحكم في مصر، وهي التي كانت قد عقدت لنقل تفاهمات مع تركيا المحركة لمشروع الإسلام السياسي في المنطقة بعد ما سمي "بالربيع العربي"، ووصول تنظيم الاخوان المسلمين الى سدة الحكم في مصر وتونس وليبيا. ولقد قام وفد امريكي أرسل من قبل الإدارة الامريكية وضم السناتور جون ماكين المعروف بتاريخه الأسود في التدخل في الاحداث في سوريا واجتماعه بالمجموعات الإرهابية التي تقاتل الجيش العربي السوري، بعد أن دخل سوريا بطريقة غير شرعية عبر الأراضي التركية. ومن ضمن الشخصيات التي قابلها البغدادي الذي أصبح خليفة "الدولة الإسلامية" لداعش، حيث نشرت الصحف الامريكية صور الاجتماعات. واشتهر السيد ماكين أيضا بتدخله في الاحداث في اوكرانيا ومشاركته المنبر مع عناصر من أحزاب نازية ويمينية متطرفة اوكرانية في الميدان في كييف حيث كان هؤلاء معتصمين في فبراير من هذا العام. وكان وظيفة الوفد الأمريكي الى مصر هو محاولة اقناع الجيش وخاصة السيسي على إطلاق سراح مرسي وعدم محاكمته واعادته الى الرئاسة، وهو ما رفضه السيسي وقيادة الجيش المصري. وابقت الإدارة الامريكية على تعليق المعونة المقدمة للجيش المصري، وعندها تدخلت السعودية ودفعت المبلغ للجيش نكاية في أمريكا. أما الحدث الثاني فهو رفض الولايات المتحدة بتسليم الجيش المصري طائرات الاباتشي حتى تلك التي أرسلت للصيانة والتحديث الى الولايات المتحدة من قبل الجيش المصري، هذا بالرغم الحاجة الماسة لها لمحاربة الارهاب في سيناء. ولذلك لم يكن مستغربا ذهاب مصر الى روسيا وعقد صفقات شراء أسلحة منها بالإضافة الى اتفاقيات الإعادة التصنيع الحربي المصري حتى تتحرر مصر وجيشها من التبعية الامريكية. الإدارة الامريكية استخدمت تسليم الاباتشي وغيرها من الأسلحة الضرورية كوسيلة للضغط على مصر لإرسال قوات مصرية برية الى القتال في سوريا والعراق تحت ما سمي "بالتحالف الدولي" لمكافحة "داعش" في العراق وسوريا. وهو ما رفضته مصر منذ بداية تكوين التحالف، كما اشارت التصريحات الرسمية المصرية، بأن الجيش المصري لن يعمل خارج إطار الدولة المصرية، وعلى انه يقوم بمحاربة الارهاب على أراضيه، وعلى ان الارهاب يجب أن ينظر اليه بشمولية وليس ان يقتصر على تنظيم معين. ومنذ تنحية الرئيس مرسي وسقوط مشروع تنظيم الاخوان المسلمين بالإسثئثار بالسلطة السياسية في مصر وغيرها من دول "الربيع العربي"، كان هنالك تزايد واضح في العمليات الإرهابية من مجموعة أنصار بيت المقدس وغيرها في سيناء وداخل المدن الرئيسية المصرية. والواضح ان هنالك استهداف للجيش المصري الذي سقط له مؤخرا ما يقرب من 30 شهيدا في يوم واحد. الاستهداف الأكبر مما لا شك فيه هو استهداف للدور المصري الإقليمي والدولي، لان هنالك أطرف عربية وإقليمية ودولية لا تريد لمصر العودة الى دورها الوازن والفاعل الذي تستحقه، ومحاربتها وابتزازها يتم الان عن طريق إطلاق يد الارهاب التكفيري، كما هو الحال على مساحة الوطن العربي من سوريا الى العراق الى اليمن الى ليبيا الى لبنان. وقبل أن ننهي الحديث على الجيش المصري، لا بد لنا ان نتساءل عن سبب دفع الثلاث مليارات دولار أمريكية للجيش المصري سنويا طيلة هذه السنوات، في الزمن الذي لم تتجاوز المعونة التي تقدمها للحكومة المصرية عن 500 مليون دولار تحت تفاهمات اتفاقية كامب ديفيد. هل كان هذا تحضير للجيش المصري لخوض حرب ربما مع دول او دول عربية يا هل ترى؟ أم لاستخدامه في مرحلة لاحقة لحماية أمن الدول الخليجية؟ أم لأمر ما لا ندركه الان؟ ولكن مهما يكن السبب فانه بالتأكيد لن يكون لمحاربة الكيان الصهيوني، بل لتكبيل مصر وجيشها باتفاقيات أمنية ما زلنا لليوم نشعر بها ونتلمس نتائجها على ارض الواقع. ويكفي ان نتطلع لمعبر رفح الحدودي الي بقي مغلقا طيلة فترة العدوان على غزة تحت ذريعة ان مصر لديها اتفاقيات دولية لا تستطيع القفز عليها. هذا في الوقت الذي كان الطرف الاخر الموقع لاتفاقية "السلام" مع مصر التي تضمنت التفاهمات الأمنية، يدمر الحجر والبشر في قطاع غزة، في عدوان وحشي وبربري حصد فيه أرواح ما يقرب من 2200 شهيد جلهم من الأطفال والنساء. ويحق لنا أن نتساءل أيضا لماذا التردد والتلكؤ لأخذ موقف واضح وصريح عما يدور في سوريا، طالما ان الارهاب الذي يضرب مصر هو من نفس الطينية الفكرية والايدولوجية لتلك المجموعات في سوريا، وطالما ان الامن القومي المصري والسوري وتلاحمان ومترابطان وكل منهما جزء لا يتجزأ من الاخر؟ والسؤال الأخير هنا ما هو سبب عدم التنسيق، والغياب الواضح للتعاون بين مصر وبقية الدول العربية مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن والجزائر على الأقل لمحاربة هذا الارهاب التكفيري الوهابي الذي يستهدف المنطقة بأكملها لخدمة أغراض اسيادهم ، بدلا من الارتهان الى القادمين من وراء البحار ليقاتلوا بالنيابة عنا؟ وهل فعلا هم يقاتلون الارهاب؟ نحن نشك في ذلك ونرفع بألف علامة استفهام.

الملفات