2024-03-29 11:28 ص

ولادة منتظرة في المغرب العربي: «دامس» الابن الشرعي لـ«داعش»

2014-10-23
الجزائر/ بعدما شهد العالم أحداث ما عرف بـ«الربيع العربي»، وهللت له كافة الشعوب، انتقل هذا الاهتمام مؤخراً في دول العالم عامة والمغرب العربي خاصة، إلى انتقاد سبّبه تغيّر المعطيات، بعدما أصبحت مهمّة هذا «الربيع»، إنتاج جماعات إرهابية وإجرامية تحرق الأخضر واليابس. فبدل السعي إلى تغيير الأنظمة الديكتاتورية انتقل «المطالبون بالحرية» إلى محاربة كل متحرك، لينشروا الإرهاب الذي بات هاجساً يهدّد العالم.

وبغض النظر عن الداعم والمغذي، فإن هذه الآفة كشفت عن أن «الربيع العربي» ما هو سوى الجزء الأول من مسلسل تفتيت الدول العربية وتغيير موازين القوى العالمية، بأيدي جماعات مسلّحة تؤسس للطائفية والعرقية وتقضي على الأقلية وتمنح أخرى حق الظهور، فيما تهدّد الدول التي ترفضها وتبتز غيرها لتحقيق أغراض مالية فقط. إنه الإرهاب الذي لا دين ولا لون ولا حدود له.
كل الآراء تجمع على أن المغرب العربي يتجه إلى عهد إرهابي جديد، من «قاعدة» بن لادن والظواهري ودروكدال، إلى «داعش» البغدادي وابنه الشرعي «دامس» المغاربي، الذي كثر الحديث عنه منذ إعلان «التحالف الدولي» الحرب على «دولة الخلافة» في العراق والشام. وتسمية «دامس» تعني من خلال أحرفها الأولى «الدولة الإسلامية في المغرب الإسلامي»، ما ينبئ بتغيير جذري في خريطة التنظيمات الإرهابية المنتشرة في شمال أفريقيا والساحل، حيث حذّر المبعوث الأممي إلى ليبيا، برناردينو ليون، في نهاية الأسبوع الماضي، من انتشار عناصر تنظيم «داعش» في ليبيا.
وقال إن هناك تقارير تفيد بأن بعض المجموعات التابعة لـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام»، بدأت تتحرك في منطقة شمال افريقيا، لذا «علينا العمل على عزلها ومحاربتها، وهذا سبب آخر وجيه يدفع الأطراف المتنازعة في ليبيا إلى الاتفاق». هذا التصريح يكشف عن تحوّل منطقة المغرب العربي إلى الجبهة الأولى الداعمة لـ«داعش»، وثاني مركز قوّة بعد العراق والشام، كما أنها ستكون الأرض الخصبة المستقبلية للإرهاب، في حال نجاح التحالف الدولي في القضاء على تنظيم أبو بكر البغدادي.
البداية خطّها إعلان جماعات إرهابية جزائرية وتونسية وليبية، الولاء لـ«داعش». فقد كشفت مجموعة من العناصر المتطرفة في 12 أيلول الماضي، عن انضمامها إلى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ومبايعة أبو بكر البغدادي، بعد انشقاقها عن «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، التي يتزعمها الجزائري عبد المالك دروكدال، وأطلقت على نفسها «جند الخلافة في أرض الجزائر» وأميرها خالد أبو سليمان. ولتأكيد الولاء، اختطفت هذه المجموعة مواطنا فرنسيا في وسط الجزائر، ثم قتلته بطريقة وحشية بشعة، يعرف بها تنظيم «داعش» وهي قطع الرأس، وذلك كعربون «حسن النية» من قبلها اتجاهه.
ولكن مع ذلك، ما زال هناك من يرى وجهاً مختلفاً للعلاقة بين «جند الخلافة في أرض الجزائر» و«داعش»، ومن هؤلاء الخبير الأمني الجزائري علي زاوي، الذي رفض في تصريح لـ«الأخبار»، حقيقة علاقة التنظيم الجديد بـ«داعش». وأشار إلى أن كل ما في الأمر أن هذه المجوعة الإرهابية هي كتيبة «الفرقان»، التي كانت تنشط تحت لواء «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، والتي اغتنمت فرصة الصخب الإعلامي الذي أحدثه «داعش» في العراق والشام، للانشقاق عن «القاعدة» وإعلان الولاء لأبي بكر البغدادي، الذي تختلف معه في التوجّه والفكر. وأضاف أن هذه الخطوة جاءت للفت الانتباه وتحقيق الشهرة إعلاميا على حساب «داعش»، بدل الذوبان والاختفاء.
من جهته، رأى العسكري السابق في الجيش الجزائري، بن عمر بن جانة، في حديث لـ«الأخبار»، أن «جند الخلافة» يبحث عن التموضع في الجزائر، مستغلاً اللاجئين من مختلف الجنسيات الذين يدخلون البلاد لأسباب مختلفة، لتجنيدهم ضمن صفوفه بهدف إنشاء تنظيم إرهابي متعدد الجنسيات، امتداداً لـ«داعش» في المنطقة.
أما في تونس، فقد أعلنت كتيبة «عقبة بن نافع»، التي يقودها الجزائري لقمان أبو صخر، الولاء لتنظيم «داعش»، عبر شريط فيديو بثت مقاطع منه على مواقع محسوبة على المتطرفين، منذ حوالي شهر. وأكدته، يوم الجمعة الماضي، السلطات التونسية على لسان المتحدث الرسمي باسم وزارة داخليتها، محمد العروي، الذي كشف عن تقارير أمنية تحدثت عن تحرك عناصر «داعشية» من تنظيم «أنصار الشريعة»، في إشارة إلى كتيبة «عقبة بن نافع»، لإعلان إمارة في جنوب تونس، تتبع «الدولة الإسلامية في العراق والشام».
المفارقة هي أن كتيبة «عقبة بن نافع»، هي إحدى المجموعات الإرهابية التابعة لتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، ولها علاقات وطيدة مع تنظيم «أنصار الشريعة» التونسي بقيادة أبو عيّاض، وفرعه الليبي بزعامة محمد الزهاوي، ما يعني أن لمبايعة الكتيبة لتنظيم «داعش»، روابط مع الجماعات المتطرفة الناشطة في ليبيا.
إضافة إلى ذلك، فإن ما يؤكد الحضور «الداعشي» في تونس، إلقاء قوات الجيش الجزائري القبض على احد أهم قادة كتيبة «عقبة نافع»، وهو موريتاني الجنسية يدعى صفي الدين الموريتاني. وكان هذا الأخير ينشط في مالي قبل أن يتسلل مع مجموعة من الإرهابيين التونسيين إلى تونس، منذ حوالي السنة. وفي هذا الإطار، ذكرت مصادر أمنية جزائرية لـ«الأخبار»، أن الإرهابي الموريتاني كان في طريقه إلى شمال مالي، للقاء قيادات المجموعات الإرهابية في المنطقة، استعداداً لعقد اجتماع في تونس لأمراء الإرهاب، يعلَن خلاله تنظيم جديد موالٍ لـ«داعش»، هو «الخلافة الإسلامية في المغرب الإسلامي».
وهذا التطوّر إن كان يدل على شيء، فهو أن فكر «داعش» توغّل في المغرب العربي على نحو لافت، ليصل إلى موريتانيا المطلة على المحيط الأطلسي. فقد قالت مصادر أمنية موريتانية إن تنظيم «الدولة الإسلامية» يسعى للحصول على موطئ قدم في البلاد، مشيرة إلى أن «عناصر في التنظيم حاولت مؤخراً استدراج 4 شبان موريتانيين، عبر محادثات على الإنترنت».
ورغم أن المصادر ذاتها لفتت الانتباه إلى أن مناطق انتشار «داعش» بعيدة جغرافياً عن موريتانيا، إلا أنها ذكرت أن ثمة مؤشرات قوية على أن «التنظيم يستخدم أدوات متعدّدة لكي تكون خلاياه حاضرة في موريتانيا». ولفتت هذه المصادر إلى أن «تفكيك بنية الجماعات الإرهابية التي كانت تنشط في شمال مالي على يد تحالف عسكري فرنسي أفريقي، قد أنعش اهتمام الشباب الموريتاني من ذوي النزعات الإرهابية بالانضمام لداعش».

ليبيا هي الاستثناء

لكنّ ليبيا تصنع الاستثناء، وتبقى أكبر ملجأ للعناصر الإرهابية التابعة لـ«الدولة الإسلامية»، بعدما كانت الخزّان الرئيسي والمموّن الأساسي لمختلف الجماعات المنتشرة في سوريا، مع بداية الحراك هناك قبل أكثر من ثلاث سنوات. وهذا الأمر بشهادة من أحد أكبر أمراء الحرب الليبية. ففي حوار سابق مع عميد مدينة طرابلس مهدي الحاراتي، الذي يعد الذراع اليمنى لرئيس المجلس العسكري في طرابلس سابقاً، وزعيم حزب «الوطن» الليبي حالياً، عبد الحكيم بلحاج، قال إنه يتولى شخصياً نقل العناصر من مختلف الدول المغاربية والأوروبية إلى سوريا «لإتمام ما بدأناه في ليبيا»، كما أشار إلى أنه يقود هناك تنظيماً تحت مسمى «لواء الأمة»، انطلاقاً من السواحل الليبية ومطاراتها التي كانت تحت سيطرة أمراء حرب «17 فبراير». وذكر أن التدريبات تُجرى في مختلف المعسكرات التي جرى إنشاؤها، قبل الانتقال إلى تركيا ثم سوريا.
ومع تغيّر المعطيات في سوريا وظهور تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، الذي أدى إلى صدامات عنيفة بين التنظيمات والجماعات المسلّحة في سوريا بسبب اختلاف التوجهات والأفكار والأهداف، اختلط الحابل بالنابل بالنسبة إلى العناصر المغاربية، التي سارع بعضها للعودة إلى بلاده، فيما لجأ عدد منها إلى نقطة انطلاقها في ليبيا. وانضمت هذه العناصر إلى الميليشيات المسلّحة والمتطرفة، فيما أسس بعضها تنظيماً جديداً يدعى «البتّار»، الذي عرفت عناصره بهمجيتها وشراستها، بفضل الخبرات التي اكتسبتها في القتال مع تنظيمي «الدولة الإسلامية» و«النصرة». ولا يزال «البتار» وباقي التنظيمات الإرهابية كتنظيم «أنصار الشريعة» يستقطب العناصر «الداعشية». وقد ذكرت مصادر ليبية أن أبو بكر البغدادي طلب منها الالتحاق بالجبهة الليبية، لمواجهة الهجمات العسكرية التي ينفذها الجيش الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر، منذ إعلانه عن «حملة الكرامة لتطهير ليبيا من الإرهابيين».
وفي هذا الشأن، قال الخبير الأمني الجزائري علي زاوي، إن «الساحة الليبية تعدر اليوم مسرحاً حقيقياً للصراع بين أذرع القاعدة، سواء القاعدة المغاربية أو التنظيمات الإرهابية الدولية، وهو ما ينذر بتكوّن خريطة إرهابية جديدة في المستقبل القريب». وأضاف زاوي أن «القاعدة قد تختفي لمصلحة تنظيم داعش الأكثر تشدداً»، مشيراً الى أن ليبيا «حيث ينعدم القانون والأمن، ستكون الجبهة المقبلة». وقدّر الخبير الجزائري عدد العائدين من ساحات القتال في سوريا والعراق، بحوالي 13 ألف مقاتل.
وفي السياق ذاته، فقد صنّف معهد «واشنطن للشرق الأدنى» مدينة درنة الليبية على أنها جزء من «دولة الخلافة». ورأى أن «التطور الأكثر أهمية بالنسبة لداعش، هو إعلان جماعة إرهابية نشأت في ليبيا باسم مجلس شورى شباب الإسلام، تأييدها له، في 22 حزيران، حيث تكون مدينة درنة جزءاً من خلافة الدولة الإسلامية». وأشار المعهد إلى أن «هذه الخطوة تبيّن أن هناك نهجاً للتوسّع سيُعتمد في المستقبل، وسيكون مختلفاً عن نموذج تنظيم القاعدة، وخصوصاً بعد تنفيذ إعدامات علنية في ملعب لكرة القدم في 18 آب على طريقة داعش». ويرجّح أن قادة وعناصر «مجلس شورى شباب الإسلام» هم من العائدين من سوريا والعراق، ومن تنظيم «البتار» و«أنصار الشريعة».
المصدر: صحيفة "الاخبار" اللبنانية