2024-03-29 06:32 م

أمريكا وتركيا وعين عرب السورية

2014-10-19
بقلم: الدكتور يحيى محمد ركاج*
يقف العالم متفرجاً على عمليات القتل الممنهجة التي يقودها التنظيم الإرهابي (داع ش) ضد الشعب السوري بمدينة عين العرب برعاية أمريكية وتركية مباشرة دون رادع أخلاقي أو قيمي على أدنى تقدير لمناصرة المرأة وحقوقها المسلوبة من قبل الدواعش، أو لحقها في الحياة الحرة الكريمة بعد أن عرف العالم أجمع شموخها في أكثر من واقعة أبرزها من قتلت نفسها بالطلقة الأخيرة دفاعاً عن أرضها رفضاً لوقوعها أسيرة ذليلة بيد الدواعش، وأيضاً من قامت بعملية استشهادية بمجموعة من الإرهابيين الدواعش دفاعاً عن أرضها وعرضها. ولعل المفارقة الغريبة في الأمر لدى البعض تتجلى بالصمت المطبق من الشعوب الأوروبية مدعية الحضارة والدفاع عن حقوق الإنسان أمام ما يحدث من جرائم وإبادة عنصرية بحق الشعب السوري في مدينة عين العرب من جهة، وماتجلى من تحالف المتضاربين بالمصالح (تركيا وأمريكا) في الحرب على عين العرب السورية من جهة أخرى. ففيما يتعلق بالشعوب الأوروبية فإن العولمة وتعميم النماذج الليبرالية في الحكم جعل من الشعوب الأوروبية غارقة في تأمين المعيشة والرفاهية بعيداً عن الاهتمام بمعاناة الآخرين وحقوقهم، إلا بما تقدمه لهم وسائل إعلامهم الموجهة، أو الشركات الرأسمالية الممولة للمنظمات الدولية المعنية بالأمر والمتحكمة في سياسة هذه المنظمات. أما فيما يتعلق بتضارب مصالح الحلفاء وأعضاء النيتو تركيا وأمريكا، فإن الهدف الأمريكي المعلن وغير المعلن يتجلى فقط بإضعاف القوة السورية وصولاً لتقسيم سورية وتفتيتها ومن ثم السيطرة عليها أو على قرارها السيادي سواء أكان ذلك عبر تقسيم مباشر بواسطة قوى عسكرية معتدية أو قوى إرهابية ظلامية تحت مسميات انفصالية وما شابه ذلك، أو بطريق غير مباشر عبر صناعة محتوى يقوم على مقدرة الأكراد على المجابهة وصولاً للانفصال وتحقيق الاستقلال عن البلد الأم سورية ومن ثم قيام الدولة الصهيونية بالشمال السوري تحت مسمى كردستان، الأمر الذي نراه في كل لحظة على وسائل الإعلام المشتركة بالحرب على سورية من خلال عدم ذكر الاسم الحقيقي لمدينة عين العرب ومن ثم تضخيم وتهويل القوة العسكرية للأهالي في مواجهة التنظيم الإرهابي (داع ش) ونسبها إلى القوى الكردية فقط لا غير وغيرها من الجزئيات والتفاصيل التي لا يلتفت لها المتابع العادي نظراً للإثارة المتبعة في التعاطي مع الحدث وطرق عرضه. في حين يتبلور الهدف التركي الرئيس عبر مجموعة أهداف ثانوية تتمثل أيضاً في إضعاف الدولة السورية واستنزاف قوتها العسكرية والاقتصادية وصولاً إلى تحقيق الدولة التركية الكبرى خليفة السلطنة العثمانية البائدة عن طريق تقسيم وتفتيت بعض المناطق في سورية من جهة، وعن طريق القضاء على كل القوى التي يحتمل أن تقف حجر عثرة في تحقيق هذا المشروع من الأكراد والأرمن والأقليات التي لم تستطع سياسة التتريك التي اتبعها سلف القردوغان احتواءهم عبر زجهم في معارك الموت للتخلص منهم من جهة أخرى. وفي الجبهة الأخرى تبقى الدولة السورية التي تقوم بمهارة كبيرة للآن في إسقاط الأهداف المعلنة وغير المعلنة للقوى المتحالفة في الحرب على سورية، الأمر الذي تجلى بوضوح في استعادة الأهالي في عين العرب السيطرة على عدد من القرى التي احتلها التنظيم الإرهابي (داع ش) في خطوات محسوبة بعناية فائقة تراعي الجبهات السورية التي يقوم الجيش العربي السوري بالتعامل معها، وتلك التي يراقبها حتى تحين الفرصة للتدخل، رغم أن بقاء القرى بيد تنظيم الإرهابي (داع ش) واستمرار نزيف الدماء لبعض القوى الكردية التي أخلت بمفهوم المواطنة من شأنه أن يحمي الدولة السورية من الأطماع الشريرة لهذه القوى، كما من شأنه أيضاً أن يقضي على الصفقة المبرمة بين زعيم حزب العمال الكردستاني أوجلان والقردوغان عندما كان رئيساً للحكومة التركية ويؤجج الوضع بالداخل التركي مما يفقد أرودغان ورئيس وزرائه عنصر الاستقرار واستثمار الأحداث في سورية للمحافظة والاستمرار بتطوير ونهضة تركيا. إن الأحداث التي تعصف بسورية وآخرها ما يحدث الآن في عين العرب السورية يثبت المهارة الفائقة للقوة السورية في القراءة الإقليمية للأحداث التي تعصف بسورية، وتثبت العقيدة القوية التي يقاتل بها الجيش العربي السوري، ويشير بوجه أو بآخر إلى مفهوم المواطنة والانتماء الذي نتمتع به في الجمهورية العربية السورية موطن الأبجدية الأولى في العالم، وما الفشل التركي في الحصول على مقعد في مجلس الأمن إلا دليل على الحنكة السورية في التعامل مع العدوان العالمي الذي يُشن عليها.
*باحث في السياسة والاقتصاد 

الملفات