2024-03-29 04:04 م

إنكشفت اللعبة في سورية...وسقطت كل الأقنعة!

2014-10-16
كتب الدكتور خيام محمد الزعبي*
ينشغل العالم منذ حوالي أربع سنوات بالحرب الدائرة في سورية وعليها، وتتصدر الأزمة السورية عنوان أي لقاء دولي أو إقليمي يعقد، وتحتل هذه الأزمة الخبر الأول في كل وسائل الإعلام بأنواعها المحلية والإقليمية والدولية، ولأن سورية لم ترضخ لإرادة أمريكا وحلفاؤها في المنطقة, بل عملت على تقويض السياسة الأميركية والأطلسية والإسرائيلية وأفشلتها عبر دعم المقاومات في لبنان والعراق وفلسطين، إستهدفت سورية بهذه الحرب الكونية التي تخاض على أرضها لإسقاطها وتفتيتها الى دويلات عرقية طائفية عبر تقسيم المقسم (سايكس بيكو) ، وذلك لإكمال فرض هيمنة أميركا على المنطقة وإقامة الشرق الأوسط الجديد. عمل الغرب وحلفاؤه في المنطقة على زرع الإرهاب في سورية عبر دعم وتمويل كل الحركات الأصولية والمتشددة ضد الدولة السورية، ما ولّد تأسيس الدولة الإسلامية في العراق والشام التي سيطرت على أراضي شاسعة في كلا البلدين وأدى الى ميلاد أخطر تنظيم إرهابي دولي في المنطقة يمتلك ترسانة هائلة من الأسلحة، والمدرعات وميزانية هائلة من آلاف المليارات من الدولارات، وهكذا صنعت أمريكا زعيمة الإرهاب الدولي بمعية حلفائها وأدواتها ماكينة الإرهاب الداعشي الإستئصالي من أجل إستكمال المهمة في بعد الفشل الذريع الذي منيت به في سورية، وهاهي أمريكا تدق طبول الحرب مرة أخرى في الشرق العربي باسم القضاء على داعش لتذكرنا بسيناريو العراق عشية غزوه بكذبتها الكبرى التي تمثلت وقتها في البحث عن أسلحة الدمار الشامل. واليوم تواجه سورية خطر حرب أهلية، وترسانة مسلحة خارج سيطرة الدولة، وجماعات مستعدة لإحراق البلد بما فيه لتنال من بعضها وبينهما حركات إنفصالية تبدو كقوارب تنفصل عن سفينة مستثمرة الخروق الكثيرة في أنحائها وإحتمالات تعرضها للغرق، ومن وراء ذلك قوى كبرى تتصارع لتكون سورية مستعمرة تابعة لها وتبحث عن دورها ونفوذها الإقليمي عبر وكلائها المحليين لتمزيق سورية وتجزئتها حتى تسيطر عليها وتنهب ثرواتها. إن مخطط تفكيك الدولة السورية والفوضى المسلحة ليس وليد اللحظة بل بدأ تنفيذه منذ سنوات فكل الجماعات المسلحة الخارجة عن الدولة والمتصارعين المستفيدين منها يجمعهم عامل مشترك واحد وهو أن قوتهم وزيادة نفوذهم ووجودهم يتوقف على غياب الدولة ولذا فالجميع يفككون الدولة ويستفيدون من كل ضربة تتعرض لها لتعزيز وجودهم وللقضاء على خصومهم وتصفية حساباتهم ويبقى الهدف الرئيسي لكل منهم محو وجود الدولة مقابل تعزيز وجودهم، فتدمير الإقتصاد والبنية التحتية يمثل بالنسبة لهم إرهاقاً وإفراغاً لخزينة الدولة وتدميراً لكل محاولة لإعادة البناء وإحياء الاقتصاد، وفي الجانب الآخر نلاحظ مدى الحرص والتفنن في تدمير قوة الدولة المتمثلة بالجيش وتمزيقه من الداخل وتدمير معنويات الجنود ولذا فكل ضعف في قوى الدولة يقابله نمو ونفوذ للقوى المتمردة وجماعات الفوضى المسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة والمتنامية على حساب ضعفها، ودفع البلد باتجاه منحى دموي خطير من خلال تفجيرات هدفها إثارة الفتنة الطائفية والزج في سورية في ذات الأتون الذي وقعت فيه ليبيا والعراق والصومال. وفي سياق متصل هناك أطراف خارجية عربية وإسلامية تدفع باتجاه تكرار السيناريو الليبي والعراقي وفتح سوق جديد مشابه لأسواق الفوضى المسلحة الدموية التي إندلعت في المنطقة بين معسكرات خارجية كل طرف يدعم سوقه ويسعى الى الانتصار على غريمه واللعب في ارض غير أرضه، وهنا لا بد من الإنتباه الى أن إنهيار الدولة في سورية لن يكون في مصلحة الأطراف الداخلية المتصارعة ولا الأطراف الخارجية المتنازعة، وبالمقابل فإن الإعتماد على الخارج لا يجدي نفعاً بل هو اتجاه للمزيد من الإغراق والإنزلاق نحو الهاوية، فالذين يعتقدون أن الفوضى المسلحة في سورية وتكرار النموذج الليبي أو العراقي أو الصومالي فيه وإطالة أمد الحرب يمكن أن يكون مصدر إستقرار لهم، فهم مخطئون وكل التجارب التي مرت بها المنطقة تؤكد إن أفضل وأضمن طرق الإستقرار تتمثل في منح سورية الأمان والإستقرار، فلا أمن للمنطقة بدون امن سورية، وإن الفوضى المسلحة عدوى تتجاوز كل الحدود خصوصاً في بلد موقعه حساس كسورية ولا يمكن عزلها وتحويلها الى ميدان للصراعات والتدخلات الخارجية دون التأثر بذلك، بمعنى إنه من دون سورية يبدو التوازن الإقليمي مهدداً أكثر من أي وقت، لذلك يجب على الغرب وحلفاؤه أن يراهنوا على إستمرار حضورها الداعم للأمن والإستقرار الإقليمي في ظل الأوضاع الدولية المعقدة في هذه المنطقة، ومن هذا المنطلق يجب على أمريكا والدول الأخرى التي تدعم التطرف والإرهاب في سورية والمنطقة أن تأخذ العبر من الوقائع والتجارب السابقة، وتدرك أن التهديد الناشئ من ثقافة الإرهاب يتعدى دول المنطقة ليصل الى كل العالم، وخصوصاً تلك الدول الحاضنة والداعمة له ، فالغرب يسعى بأساليب مختلفة إلى إضعاف وتقسيم الدول الخارجة عن إرادته، ففي السابق كان يعتمد على حكومات عميلة لتنفيذ مخططاته واليوم تقوم العصابات الإرهابية بهذا الدور، فالهجمة الشرسة التي تُشن على سورية بتوجيّه أميركي – غربي، بهدف مواجهة التنين الصيني الصاعد ومحاصرة روسيا الاتحادية العائدة بقوة إلى مسرح السياسة الدولية وخاصة في سورية، هذا أولاً، أما الصراع الثاني الذي يدور للسيطرة عليها فهو ذو شقين، الأول تركي – خليجي يهدف إلى محاصرة إيران وتحجيّم دورها الإقليمي، والثاني تركي – قطري من جهة وباقي دول الخليج من جهة أخرى، الذي يدور حول طبيعة الإسلام الذي سيحكُم المنطقة، دون أن نُغّفل الدور الإسرائيلي في هذا الصراع . لذلك مخطئ من يظن أن الموقف الأمريكي والغربي، الغاضب والمرتبك جراء ما يجري على أرض سورية هو إنحياز للشعب وأسوأ من هذا الظن الخاطئ أن يتصور أحد أن الولايات المتحدة تدافع عن الديمقراطية في سورية، فلم تكن أمريكا ولا الغرب في يوم من الأيام مدافعاً حقيقياً عن حقوق الإنسان، فالدول الغربية لا تقيم علاقاتها ولا تقطعها إلا على أساس المصالح الخاصة، وبالتالي فإن استمرار شلال الدم في سورية هو مصلحة أمريكية إسرائيلية يريدونها مقسمة وملغاة من دورها في الصراع العربي الإسرائيلي حتى ينجح مشروع الشرق الأوسط الكبير ضد الوجود العربي والقضاء على فكرة القومية العربية وإبقاءها خاضعة للهيمنة الصهيوأمريكية. وأخيراً يمكن القول بالرغم ما حدث لسورية فما يزال بإمكان شعبها إنقاذها من خلال إدراكهم بأنه لا أحد يهتم بسورية إذا لم يهتم به أبناؤه وان فخ الفوضى المسلحة والفتنة الطائفية إنما الهدف منه تدمير وإضعاف الجميع وإحراق سورية بمن فيها، وبالتالي لا يجب بأي حال من الأحوال إتاحة الفرصة للخارج لرمي عود الكبريت الذي يشعل الحريق في البلد من خلال إثارة الفتنة بين أبنائه، ومن هذا المنطلق ينبغي لكل من يهمه آمر الوطن عليه أن يدرك بأن سورية للسوريين بجميع فئاتهم وانتماءاتهم ومذاهبهم.
*صحفي وكاتب أكاديمي في العلوم السياسية 
Khaym1979@yahoo.com