2024-04-19 08:46 م

تركيا: طموح الأكراد وطبول الحرب على سورية؟

2014-10-01
كتب خيام الزعبي*
تعتبر تركيا الدولة الوحيدة في التحالف الدولي ضد داعش، وفي حلف شمال الأطلسي التي تمتلك حدوداً مع المناطق التي تسيطر عليها "الدولة الإسلامية"،  بعد إنطلاق الغارات الأميركية على مواقع "داعش" في العراق، بدت تركيا بعيدة وتذرعت بوجود رهائن لها لدى التنظيم، وبعد بدإ التحالف الدولي- العربي في غاراته على مواقع في سورية والإفراج عن رهائن تركيا ظهرت ملامح تغيّر في موقفها، وفي اتجاه إنخراط نشط في التحالف، من أجل تحقيق مصالحها ومآربها في المنطقة.
تستطيع تركيا بحكم موقعها الجغرافي والسياسي، أن تكون لاعباً أساسياً، وأكثر أهمية من أي لاعب إقليمي آخر في هذه الحرب، حيث تمتد المنطقة الحدودية بين تركيا وسورية لأكثر من 820 كلم، ومعظم المناطق الحدودية واقعة تحت سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية، أما في الجهة التركية، أي من الجهة الشمالية لكردستان العراق، فلا يوجد سوى مقاتلي قوات الدفاع الشعبي والقوات التركية، ومن هذا المنطلق إدعت تركيا أن مقاتلي 'الدولة الإسلامية" موجودون في المناطق الحدودية السورية ـ التركية، وقررت لذلك إقامة منطقة عازلة، لتوحي أنها تعمل ضد التنظيم، والهدف الأساسي كما يعلم الجميع هو قطع الطريق على أكراد تركيا للمطالبة بحكم ذاتي، ومحاربة النظام السوري لخنقه وإضعافه والتحكم بمقدرات البلاد، ومن المؤكد إن هذه الخطوة التركية، قد أتت بعد التنسيق مع واشنطن مقابل دخول تركيا في سياق تحالف أميركا وحلفائها ضد "داعش"، فالوقوف عند دوافع الحراك التركي لإقامة منطقة عازلة يظهر وجود صلة عميقة بمسارين تعمل عليهما تركيا، أولها يتصل بموضوع العلاقة مع الأكراد، وثانيهما الإستمرار في محاربة سورية، ففيما يرتبط بمسألة العلاقة مع الأكراد تتمسك تركيا على مخاطبة الأكراد على أرضها بالقول إنها تعمل من أجل السلام معهم، بالرغم من أن أنقرة، ومنذ سنوات، لم تتخذ الخطوات الملموسة اتجاه المفاوضات ولا زالت تماطل، فالهدف الأساسي الذي تقف عنده تركيا اليوم،  هو الخوف من أن يشكل الحكم الذاتي في كوباني الذي يخيف تركيا وخاصة "حزب العدالة والتنمية"، وأن يكون عامل ضاغط مساعد على إقامة حكم ذاتي مماثل في تركيا، ولهذا يمكن القول إن تزامن إفراج "داعش" عن الرهائن الأتراك وتسهيل دخوله في حرب شرسة على أكراد كوباني، لم يكن وليد الصدفة، بل يندرج ضمن مسعى تركي للقضاء على الحكم الذاتي للأكراد في كوباني، ومنع قيام مثيل له على أراضيها.   
في إطار ذلك كانت أوروبا وحلفاؤها قد بدأت السعي إلى إقامة علاقات مع الأكراد بتشكيلاتهم كافة، لكن تركيا تريدهم أن يقفوا ضد الرئيس الأسد، كشرط لإستكمال الحوار معهم، في هذا الوقت، تخيم شكوك عديدة حول مستقبل عملية المصالحة بين الحكومة التركية وحزب "العمال الكردستاني" المعارض، حيث يتهم الأكراد في تركيا، أنقرة، بدعم "داعش" في عملياتها المسلحة ضد الأكراد في سوريا، للقضاء على طموحاتهم بالحكم الذاتي، لفصل شرق المنطقة الكردية عن غربها من خلال الإستيلاء على كوباني، وهي القلب، واليوم يبدو أن المشهد الإقليمي بدأ فعلاً يتغير، عبر التفكير بإقامة المنطقة العازلة على الحدود التركية، شمالاً، تمهيداً للسيطرة على الجزيرة وربط سورية بالعراق لوضع اليد على مواقع النفط، وأخرى جنوباً في القنيطرة، على يد "جبهة النصرة"، برعايةٍ إسرائيلية،  كل ذلك يعد إستكمال لخطة أميركا  وحلفاؤها في الحرب في سورية، تحت ذريعة ضرب داعش في سورية.
بعد النزوح الكردي الكثيف إلى الأراضي التركية، وجدت أنقرة نفسها أمام خيارات ملحّة، شبّان من أكراد تركيا بدأوا التسلل لمساعدة أكراد سورية في الدفاع عن عين العرب (كوباني) في مواجهة هجمات "داعش" ، وقيام التحالف بتسليح أكراد سورية الذي يحمل في طياته خطر إنتقال الأسلحة الى أيدي مقاتلي "حزب العمال الكردستاني" بزعامة عبدالله أوجلان، ثم إن الفصل الذي إفتتحته غارات التحالف على مواقع في سورية، قد ينتهي برسم مستقبل النظام في هذا البلد، وأوضاع المكونات العرقية والمذهبية، ومن الصعب على تركيا أن تبقى خارج معركة قد تحدد مستقبل جارتها، لذلك أصبح حصار تنظيم الدولة الإسلامية لمدينة حدودية سورية يسكنها الأكراد محوراً يستقطب أكراد تركيا، لا في مواجهة المقاتلين وحسب بل وفي مواجهة الدولة التركية مما يهدد عملية السلام الهشة مع أنقرة.
وفي سياق متصل في حال نجاح تركيا في إنشاء منطقة عازلة على حدودها مع سورية، فإنها ستعمل على إعادة كل اللاجئين السوريين في تركيا وتضع هذه المنطقة تحت سيطرة "داعش" أو "النصرة" أو الجيش الحر"، لكن هذه الخطوة قد تكون أمامها عراقيل إقليمية ودولية، فعلى الرغم مما يمكن إعتباره موافقة أميركية على المسعى التركي، فإن  الوقت والظرف والدولي غير مؤاتٍ لتركيا، وسيكون هناك دول عربية وإقليمية تعارض هذا المشروع، لأنه سيكون أول تدخل وإنتهاك لسيادة دولة أخرى بشكل غير قانوني، من الصعب على النظام السوري أن يقبل بمنطقة عازلة، خاصة من جانب تركيا التي كانت طرفاً أساسياً في الحرب عليه، فلسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو، هل تدخل تركيا وسورية في حرب بينهما؟  في إطار ما سبق يمكنني القول إن  قيام حرب عسكرية بين سورية وتركيا غير متوقعة لأسباب منها أن سورية اليوم مطوقة، لكنها قد تقوم بدعوة حلفائها الدوليين للوقوف في وجه هذا المشروع، فالقبول به يعني تقسيم البلاد وإنهيار النظام وإضعافه، فسورية كنظام مهما كانت طبيعته يجب أن يقف ضد هكذا مشروع لأنه سيفتح باباً جديداً للقوى الامبريالية لإحتلال مناطق أخرى وتجزئتها وخاصة طموح تركيا اتجاه بعض جيرانها، وبإختصار إن النظام السوري قد يجد نفسه يعقد تحالفاً مؤقتاً مع أكراد كوباني ضد إقامة منطقة عازلة، ويجب على النظام السوري اليوم، أن يدعم قوى الحماية الشعبية الكردية في كوباني لمقاومة هذا المشروع و"داعش" لتحقيق أمن وإستقرار سورية.
بإختصار  شديد أن تركيا ستصعد مع سورية كل فترة، وهو أمر يرتبط بمواجهتها لتحديات إقليمية، لأنها داعم لتنظيم داعش، وجماعة النصرة، وسيكون لها رد فعل من التحالف الدولي الذي جرى تشكيله لمواجهة هذه الجماعات، وربما تدفع ثمن ذلك، وسيؤثر هذا على معدلات السياحة والنمو فيها، وارتفاع معدل التضخم وانخفاض قيمة العملة، وأعتقد أن المنطقة ستشهد توازنات ترتبط بمحاولات تركيا لإعادة دورها، ومساعي سورية لملء الفراغ، وهذا سيؤدى لارتفاع التوتر، إلى أن يثبت كل طرف وجهة نظره فى قضايا المنطقة، وسورية ستنجح فى النهاية بحكم عروبتها وثقلها وعمقها التاريخي وعلاقاتها القوية.
وأخيراً اختم مقالتي بالقول إن الحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين إن المشهد مخيف، وهذا التمدد الداعشي يهدد منطقة الشرق الأوسط وإن حلم تنظيم داعش قد يقترب من التحقيق إن لم تتضافر الدول العربية معاً لمواجهته عسكرياً، وفي إطار ذلك يجب أن يتكاتف السوريون في هذه المرحلة الحساسة وأن يوحدوا صفوفهم في مواجهة هذا التنظيم من أجل تحقيق الأمن والإستقرار لسورية.
*صحفي وكاتب أكاديمي في العلوم السياسية
Khaym1979@yahoo.com