2024-03-29 11:44 ص

حلف واشنطن، أهداف، مخاوف، وكيف نهزمه‏

2014-09-30
بقلم: سمير الفزاع
في حوار بين "جواهر لال نهرو" رئيس وزراء الهند وزعيمها الكبير، ومساعده الأقرب "كريشنا منون" قال نهرو:نحن محاصرون بين قوتين أمريكيتين، واحدة شريرة غامضة تستعمل للتطويع والإخضاع، وهي (CIA) والثانية براقة خادعة تستعمل للغواية والإغراء وهي هوليوود. ومشكلتنا أنه إذا فازت وكالة المخابرات المركزية أصبحت حريتنا مهددة، وإذا فازت هوليوود تصبح ثقافتنا مهددة. فقال كريشنا: لقد نسيت قوة ثالثة يجب أن تكون جزءاً من المعادلة، وهي قوة البنتاغون. ردّ نهرو: لك الحق، ولكني أظن أن فقدان الناس لحريتهم وفقدانهم لثقافتهم يمكن أن يتم بغير صخب، وحتى دون أن يشعروا، لكن السلاح عندما يتحرك يثير ضجة تنبه الآخرين إلى أنهم معرضين لتهديد "النار". تحرك السلاح، وصار وميضه وقعقعته وضحاياه وشهيته، جزء من حياتنا اليومية. بدأت واشنطن وحلفائها بتوجيه ضربات جوية وصاروخية لجماعات إرهابية في سورية والعراق، على نحو "إفرادي" وخارج إطار الشرعية الدولية، وبعيداً عن مقتضيات القرار2170 الصادر عن مجلس الأمن، والذي شدد على احترام سيادة الدول عند الشروع بمحاربة الجماعات الإرهابية، وأفتقر في نفس الوقت إلى آليات لتنفيذ القرار، ولم يسمِ الجهة/الجهات المخولة بمحاربة هذه المجموعات، ودون ذكر لغرفة القيادة التي ستدير هذه الحرب.... . أي أننا نقف أمام "حملة" مبهمة الأهداف والآليات، وغير معلومة القدرات، والقوات المشاركة، ولا صورة واضحة عن ميدان عملياتها، والزمن الذي تحتاجه لتنفيذ غاياتها، وكيفية توزيع المهام بين أعضائها كالتمويل ومقر القيادة، وأسم قائد الحملة، وعدد الجنود والطائرات، ومرحل العملية/إن وجدت... . * الغايات من الإبهام: 1- الإيهام: عندما نرى "حلف" تقوده واشنطن يطارد أداة كان لها اليد الطولى في إيجادها وتسييرها/أو الاستفادة من وجودها وحركتها في الحدّ الأدنى؛ سيكون ذلك مدعاة للتفكير بعدد كبير من الخيارات والسيناريوهات، بعضها غير واقعي، ما يدخلنا في دوامة الإبهام. والإبهام، أرضية لازمة ومناسبة في الوقت عينه، لنشر الرعب والخوف. والخوف، أحد أهم أهداف واشنطن من هذه الحملة، فهو المقدمة الضرورية "لتليين" المواقف، وتقديم التنازلات، والتخلي عن الثوابت، وهزّ ثقة المؤسسة العسكرية والقواعد الشعبية بقيادتها. 2- دغدغة الأماني: صحيح أن الإبهام يثير الخوف، ولكنه قد يكون سبباً في الإحساس باقتراب موعد تحقق الأمنيات. فأي بنية أو شكل غير واضح المعالم والأهداف، يوفر مساحة كافية "ليُسقط" عليها كلّ منّا شواغله وهواجسه. فمملكة آل سعود ترى في هذه البنية غير ما تراه تركيا، وواشنطن ترى غير الذي تراه كلتاهما. 3- التنصل من المسؤولية: عندما تعمل واشنطن تحت عباءة حلف هذه مواصفاته، فإنها تكون قد أعدت طريق الانسحاب سلفاً، فهي اكتفت حتى اللحظة بعنونة حلفها بالقضاء على داعش. تواضع الهدف، يوفر لواشنطن إمكانية واسعة من المناورة، فعندما تفشل في تحقيق الأهداف العميقة لهذا التحالف، سيكون سهلاً عليها ادعاء "الدور الحاسم" لقواتها الجوية والصاروخية بالقضاء على داعش، كما فعلت عندما قام الجيش العراقي البطل بتحرير ناحية "أمرلي" قبل أيام، بالرغم من أن طائرتها لم تشارك قط في تلك العملية. 4- تحين الفرص: إن وجود واشنطن في سماء منطقة بالغة الحساسية، كأواسط العراق وشمال وشرق سورية، يجعلها حاضرة قريبة متأهبة، لاستغلال أي تطور كبير في مسرح العمليات. كأن يحدث خلل ما في طوق حماية العاصمة دمشق، يسمح بتقدم واضح نحو قلب العاصمة، ويؤسس إلى خلل كبير في منظومة القيادة والسيطرة، وتمركز القوات وتماسكها، ومعنوياتها، ومعنويات المواطنين... فتهب واشنطن وحلفائها لاستغلال هذه الفرصة الذهبية النادرة. وأعتقد بأن هذا أحد أسباب التحرك للجيش العربي السوري في دمشق وغوطتها. * من المستفيد من ضرب "دعش" و"النصرة"؟ قبل أن نسأل، من المستفيد من ضرب داعش والنصرة؟ لنسأل بدايةً، أحقاً يضرب حلف واشنطن داعش والنصرة؟ كلّ المؤشرات تقول، أن حلف واشنطن يضرب داعش والنصرة، ولكن التساؤلات والشكوك تظهر عندما نتحدث، عن جدوى وجدية هذه الضربات وتأثيرها، والأهداف النهائية لهذه الضربات، ولهذا الحلف. لنحاول إذاً، استكشاف بعض أسباب الطابع "الإعلامي والدعائي" لهذه الضربات: 1- موسم الحج: قبل عدة أيام تحدثت وسائل إعلامية سعودية عن رفض طيار سعودي المشاركة في ضرب داعش، وسيق هذا الطيار إلى المحاكمة حسب ما أفادت هذه الوسائل. هذه الواقعة تؤشر إلى ما يمكن أن يحدث في موسم الحج، خصوصاً وأن داعش نبت وهابي خالص. 2- ردود الأفعال: أي استطلاع ردود الفعل الانتقامية التي يمكن أن تقوم بها داعش والنصرة والتنظيمات الإرهابية "الشقيقة" والمتعاطفة معهما، في عواصم ومدن، وعلى مصالح الدول المشاركة في تحالف واشنطن؛ حيث بات الإعلان عن اعتقال خلايا إرهابية، وتهديدات جديّة في بعض تلك العواصم أمر شبه يومي، كالحملة التي قامت بها إستراليا قبل عدة أيام وكانت الأكبر منذ أحدث برجي التجارة 2001، والإجراءات الأمنية الواسعة التي طبقتها واشنطن في المطارات والتجمعات السكانية ومحطات القطارات... . 3- "هزّ النائمون": بات من المسلم به أن البيئات في الدول والمجتمعات التي "صدّرت" الإرهابيين إلى سورية قادرة على إنتاج طوابير منهم، يعملون كخلايا نائمة، ويكون هدفهم ضرب هذه الدول ومجتمعاتها ومصالحها ساعة المواجهة معها، خصوصاً وأنهم جزء من نسيجها الداخلي، ويدركون-بالتجارب السابقة على الأقل- بأن هذه الدول ستنقلب عليهم في لحظة ما. هذه الضربات تهزّهم بعنف، وتدفعهم للحركة؛ فيسهل اصطيادهم قبل إتمام مهامهم الإرهابية. 4- شكوك الحلفاء: قبل عام تقريباً حشدت واشنطن عدد من حاملات طائراتها وسفنها الصاروخية قبالة الشواطئ السورية، وهددت بضرب سورية على خلفية اتهامات كاذبة، باستخدام السلاح الكيمائي في غوطة دمشق. تحمس حلفاء واشنطن، عرباً وعجما، تراجعت واشنطن عقب "اتفاق الكيماوي" مع سورية، وتركت حلفائها معلقين على قمم مواقفهم المرتفعة. هذا الموقف ما زال حاضر في أذهان حلفائها عرباً وعجماً أيضاً، ويثير الشكوك حول جدية واشنطن في إتمام الطريق. 5- حدود الردّ: أي تلمس ردود الفعل المحتملة لسورية وحلفائها، سياسيّاً وعسكريّاً وأمنيّاً... عقب شنّ الموجات الأولى من الغارات. 6- تحين الفرص: كما أسلفت، إن وجود واشنطن في سماء منطقة بالغة الحساسية، كالعراق وسورية، يجعلها حاضرة قريبة متأهبة، لاستغلال أي تطور كبير في مسرح العمليات. كأن يحدث خلل ما في طوق حماية العاصمة دمشق أو بغداد، يسمح بتقدم واضح نحو قلب العاصمة، ويؤسس إلى خلل كبير في منظومة القيادة والسيطرة، وتمركز القوات، ومعنوياتها، ومعنويات المواطنين... فتهب واشنطن وحلفائها لاستغلال هذه الفرصة الذهبية. لنعد إلى السؤال السابق، من المستفيد من ضرب داعش والنصرة؟ سألخص على النحو التالي: 1- داعش والنصرة عدو لدود لسورية، أي ضعف يصيب أحدهما أو كلاهما، يصب في خانة سورية، جيشاً وشعباً. 2- ستستفيد المعارضة الوطنية السورية من ضرب داعش، التي جعلت منها مجرد كتلة بشرية مهمشة، وخيار سياسي خارج السياق. 3- التشكيلات "المعارضة" المرتبطة بواشنطن وأدواتها، حيث ستحاول واشنطن تجيير محاربتها لداعش والنصرة لإعادة "تعويمها". 4- أمريكا والدول المشاركة معها في شنّ الغارات، حيث ستخلصون من ألاف القنابل الموقوتة دفعة واحدة، ويمنعون عودتهم إلى حيث أتوا. 5- "إشباع" حقد وغلّ أنظمة الرجعية العربية عبر المشاركة بضرب بلدان "عواصم الفعل التاريخي العربي"، كدمشق وبغداد والقاهرة. ألم يكن غريباً الإعلان عن اشتراك إثنين من أمراء مملكة آل سعود في الإغارة على داعش في سورية؟. * كيف "نقمع" أي نية عدوانية لحلف واشنطن؟ هناك يقين راسخ، بأن لواشنطن وحلفها مروحة واسعة من الأهداف، بعضها علني، والآخر خفي. وهنا يبرز السؤال الأهم في هذه المرحلة، كيف نجبر واشنطن على الالتزام بالأهداف المعلنة لهذا الحلف، وقمع تلك الأهداف الشيطانية المخفية؟ باختصار شديد، سأقدم بعض المقترحات: # توفير أكبر قدر –ممكن- من المعلومات الدقيقة حول مجريات وتفاصيل المرحلة، ومن مصادر مسؤولة، لإشاعة الثقة، ومنع وقوع شعبنا ومؤسساتنا المدنية والعسكرية فريسة للشائعات، والأخبار المضللة. # كبت أي نوايا عدوانية لحلف واشنطن، بالتحاق أكبر عدد ممكن من رجال الوطن وشبابه بالجيش العربي السوري، والتشكيلات العسكرية الرديفة، والانتهاء من مسخرة دفع البدل والتهرب من الخدمة العسكرية. # المحاسبة الفورية والحاسمة، لظواهر الفساد والتقاعس والإخلال بالواجب في كلّ المؤسسات، عسكرية كانت أم مدنية. # توجيه دعوة صريحة وواضحة لحلفاء سورية، وتحديداً روسيا، لمساعدتنا، ميدانياً، في محاربة المجموعات الإرهابية، وفق قرارات الشرعية الدولية وآخرها القرار 2170. نحن نتعرض لحرب إرهابية كونية، ومن حقنا الاستفادة من "وزن" دول حليفة إلى جانبنا في هذه الحرب؛ فكيف إن كان هذا الوزن، الفدرالية الروسية؟ خصوصاً وأن حربنا هي حربهم، وانتصارنا نصر ونجاة لهم من هول ما لقينا. # "الارتقاء" بمستوى العمل العسكري وكثافة النيران. ما أقصده هنا، عدم الربط –قدر الإمكان- بين الفعل السياسي والعمل الميداني، ودفع عجلة الحسم الميداني –أقصى ما نستطيع- باستخدام أسلحة وقوى نارية أكبر، لفرض وقائع ميدانية تعيد ضبط حركة حلف واشنطن على ساعات جنودنا، وعلى خطوات مصالحنا. # إتخاذ الإجراءات المناسبة لمحاربة حلف واشنطن، وكأنه اتخذ قرار بالعدوان علينا غداً. * كلمة أخيرة: صحيح أن أمريكا، الإمبراطورية الأكثر جشعاً ودموية في التاريخ البشري، وصحيح أيضاً، أن تاريخ هذه الإمبراطورية حافل بالهزائم المرة. ودائماً كان الحدّ الفاصل بين انتصارها وهزيمتها، تماسك وثقة وصلابة وشراسة من يقاومها، فالتاريخ يشهد بأن الرئيس "ريتشارد نيكسون" قرر الانسحاب من فيتنام الجنوبية رغم ضخامة "الإستثمارات" و"التضحيات" التي تكبدتها واشنطن هناك عقب هجوم "تيت" الشهير في قلب "سايغون" وسقوط مئات الجنود الأمريكيين في مقر القيادة الأمريكية هناك، فانسحبت أمريكا من هناك دون اعتبار للكرامة والكبرياء وسلامة "الحلفاء"، وكانت المروحيات الأمريكية تلقي من على متنها فوق سطح السفارة الأمريكية هناك أكثر بكثير مما تحمل. وتكرر نفس المشهد في لبنان، عندما تمّ تفجير مقر المارينز في بيروت، وقتل قرابة أربعمائة جندي أمريكي في تفجير واحد، ولم يتردد "رونالد ريغن" لحظة في سحب كامل جنوده قبل أن تطلع شمس اليوم التالي. والأمر ذاته تكرر في زمن الرئيس "بل كلنتون" عندما نزلت القوات الأمريكية في الصومال وسط حملة هوليوودية معتبرة، وإذا بها تنسحب في ظرف أسابيع عندما تمكنت قوات الجنرال "محمد فارح عيديد" من حصار سرية من "المارينز" في قلب "مقديشو" وقتلت معظمهم، واستعملت رؤوسهم في لعب الكرة في شوارع وأزقة مقديشو. وهذا "الأوباما" تحديداً، هو من قام بسحب جنوده في الظلام، وبعيداً عن عيون الإعلام، قبل ثلاثة أعوام من العراق، بعد أن تذوق جنوده طعم الموت ألاف المرات. لسنا وحدنا من قاوم واشنطن وقاتلها في هذا العالم، وكان لنا معها جولات كثيرة، انتصرنا بمعظمها. واليوم، وفي هذه اللحظة بالذات، يجب أن نكون على يقين بالنصر، وساعون إليه بأقصى ما لدينا من قوة، محملون بثقلنا التاريخي والحضاري والنضالي المذهل. أقول ذلك، لأني أعتقد بأن هذه الحرب، ستكون الأخيرة التي نرى فيها لواشنطن قوات في المنطقة.

الملفات