2024-04-20 04:13 م

لأجل سورية...المصالحة الوطنية اليوم قبل الغد

2014-09-15
بقلم: الدكتور خيام محمد الزعبي*
لا يخفى على أحد حقيقة الوضع الذي خلَفته الأزمة في سورية وما ترتب عن ذلك من إنقسام في الصف وشروخ في النسيج الإجتماعي وجروح غائرة في اللحمة الوطنية للشعب السوري، إذ تمر سورية بلحظات عصيبة خوفاً على مستقبلها السياسي والإقتصادي الذي يمر بمرحلة بالغة الصعوبة والتعقيد, وتقف اليوم على مفترق طرق من شأنها أن تحافظ على وحدتها الوطنية أو أن تمزق كيانها وتهدد بنسف مستقبل أبنائها، هناك أطراف خارجية متصارعة تنعكس أثار صراعاتها على سورية من خلال وكلائها وأطراف داخلية متنازعة تظهر التوافق وتبطن العداء وفجأة تحرك الحقد والكراهية وتقلب الطاولة على من فيها، فكلما حركت سورية قدميها وحاولت أن تنهض ضربوها وأقعدوها مرة أخرى، بإختصار شديد هناك من لا يريدون أن تقوم للدولة قائمة ، وأن تستمر معاناة الشعب لتتجاوز كل الحدود، وان تصل الأمور إلى المزيد من الفوضى والإضطراب، أطراف ليس من مصلحتها وجود حكومة قوية وجيش مسيطر وموحد وشعب واع، كلما أشعلوا ناراً للفتنة وخمدت أشعلوا فتنة أخرى، تخمد في منطقة فيشعلونها في منطقة أخرى، وأحياناً يتزامن إشعال الأوضاع في أكثر من محافظة لخلق أكبر حالة من الإرباك للشعب السوري، فالوطن اليوم لم يعد يحتمل مزيداً من النزق السياسي والإضطرابات المتكررة التي ترعب الجميع, وتغير موازين القوى, فسورية بحاجة إلى فكر راشد وطرح رصين وإجتهاد وطني وإستلهام العبر من جراح الحاضر القريب بواقعنا السياسي. تمر سورية بظرف صعب وحرج وكل طرف ساهم بهذا القدر أو ذاك من التأزيم للوضع القائم، إذ لا يوجد طرف معفي من تحمل المسئولية، فالمسئولية الوطنية تحتم أن لا يتنصل أي طرف عن القيام بدوره ومن أي موقع في سبيل الخروج بالوطن من شرنقة الأزمات المتفاقمة التي تزداد حدتها يوم عن آخر وبصورة جعلت سورية محط أنظار الناس في كل أنحاء العالم، لنتعامل مع متطلبات المرحلة وأيدينا بعيدة عن الزناد، وبالحوار والسلم نحقق ما نبتغيه، ومن هذا المنطلق فإن حل الأزمة السياسية الجارية في سورية لا تكمن في الإستعانة بالخارج من قبل أي طرف من الأطراف مهما كانت قوة ووزن وثقل هذا الخارج ما لم يكن الحل سورياً، بمعنى آخر إن حل الأزمة السياسية في سورية والخروج منها ينبغي أن ينبع من الداخل السوري أي من قبل أبناء البلد الواحد والدين الواحد واللغة الواحدة والتاريخ الواحد والطبيعة الجغرافية الواحدة والمزاج السوري الواحد والمصير والمستقبل الواحد، وبالتالي متى سنعي أن الحرب وآثارها المدمرة لن تكون أبداً هي الحل مهما طالت أو قصرت لأن الخاسر الأكبر في قيام الحرب هو الوطن والمواطن السوري. ربما تأخرت المصالحة الوطنية حتى الآن، حسب كثير من المراقبين والمتابعين للشأن السياسي، لكن ذلك لم يكن ناتجاً عن فراغ أو تباطؤ في مسيرة التسوية السياسية بشكل إعتباطي كما يحلو للبعض، بل كان ناتج عن سلسلة من التعقيدات والتحديات التي إستهدفت وتستهدف إعاقة مسار العملية السياسية وكان من أبرزها إزدياد الهجمات الإرهابية وخاصة "داعش"، وإستمرار الصراع المسلح بين الجماعات المسلحة وغيرها من التحديات التي رغم شدتها لم تثن القيادة السياسية العزم باتجاه مسيرة بناء سورية الجديدة والمصالحة الوطنية التي تجري الآن لتمثل الجزء الأهم من هذه الخطوات ولم شمل السوريين في محاولة الوصول بسفينة الوطن إلى بر النجاة. فلحمة الدم وعقيدة الإنتماء وشعور الوطنية عوامل مشتركة بين جميع أطياف المجتمع السوري, وقليلاً من يغادر وطنيته ويتخلى عن كرامته ليبيع وطنه في سوق العمالة، لا ينكر أحد حرمة الدم وعظم المتاجرة به, ولكن هناك من بني جلدتنا من يرخص دماء السوريين في أهداف خسيسة, متناسياً أن دماء السوريين يجب أن ترخص في سبيل الدفاع عن تراب الوطن, لا أن تهدر في تمزيقه وتفتيته والقضاء على ما تبقى له من عافية يجود بها على أبنائه. في إطار ذلك أدعو الجميع، أن ينظروا إلى مصلحة الوطن وأن يبعدوا مصالحهم الشخصية وإختلافاتهم الطائفية والمذهبية الضيقة بعيداً عن هذا الوطن الذي لن يكون هناك بديل له مهماً كان ذلك الوطن نظل غرباء فيه، فسورية أمانة في أعناق الجميع وعلينا أن نشكل، حالة من الإيمان بأن الإستقرار والأمان هو المناخ الملائم لتنفيذ المصالحة الوطنية، وأن يتعامل الجميع بمسؤولية وصبر وحكمة وتسامح وعلينا أن نتعامل مع متطلبات المرحلة وأيدينا بعيدة على الزناد لأن أي محاولة للفتنة في هذا الظرف هي تخدم أجندات خارجية. ومن هنا يجب أن نطلق حملة "سورية أغلى"، فسورية اليوم بحاجة إلى التعالي على الجراح والإنطلاق نحو آفاق المحبة, والعمل على إزالة عوامل العنف والشحن الطائفي, نحن بحاجة إلى إلقاء سلاح الكراهية وإمتشاق سلاح المحبة والتصالح، فالمرحلة اليوم هي مرحلة شراكة وطنية تتم عبر الحوار الذي سيظل هو الخيار الأول والأخير الذي لن تحل مشاكل الوطن برمتها إلا من خلاله, ومن يقدم اليوم تنازلات لن يقدمها من أجل ذاته بل من أجل الوطن ومصلحته, ومستقبل أبنائه وأحفاده. وفي الختام يجب على الجميع أن يدرك ويستوعب خصوصاً في هذه الظروف الصعبة أن سورية لا تبنى بالشعارات ولا بالأحقاد ولا بالحروب، بل بالسلام والحوار والتسامح والمحبة والإخاء والتعاون والشراكة، مع ضرورة التحرر من أغلال الأحقاد السياسية، ومعالجة جروح الأزمات بإعادة الإعتبار لقيم الإنتماء والإخاء والتسامح والتلاحم الوطني وتجاوز خطاب الأزمة والفرقة في كل مسارات العمل السياسي. 
*صحفي وكاتب أكاديمي في العلوم السياسية 
Khaym1979@yahoo.com