بقلم : أكرم عبيد

لقد انتهت معركة غزة الشرسة وانقشع غبارها بعد أكثر من خمسين يوما انحسمت  لمصلحة المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني رغم الحصار الدامي منذ ثماني سنوات عجاف انهزمت جحافل جيش الاحتلال الصهيوني تحت ضربات المقاومة وتحطمت قوة الجيش الذي لا يقهر على صخرة صمود شعبنا كما تحطمت قوته الردعية على تخوم غزة وسطت هيبته ولم يستطع حتى حماية مستعمراته القريبة من غزة التي انهزمت منها قطعان المستوطنين وأخلتها بالكامل بسبب حرب الأنفاق هذه المرة وقوة الصواريخ الفلسطينية العابرة من غزة المحاصرة إلى ارض الوطن المحتل فلسطين كل فلسطين التي استهدفت أهم المواقع الحيوية والإستراتيجية من القدس إلى حيفا وتل أبيب وعسقلان وما بعد عسقلان .

لقد استطاعت المقاومة الفلسطينية في الحرب الثالثة المعلنة على قطاع غزة المحاصر خلال فترة زمنية لا تتجاوز الخمس سنوات أن تحقق ما عجزت عن تحقيقه معظم الأنظمة العربية الرسمية وجامعتهم المتخاذلة  التي تبنت خيار المفاوضات العبثية الوحيد منذ توقيع اتفاق العار في أوسلو عام 1993 باعتراف أهم جنرالات الحرب الصهاينة وخبرائه العسكريين والسياسيين وفي مقدمتهم رئيس جهاز الاستخبارات الشباك الأسبق " يوفال ديسكين " الذي اعترف بصراحة ما بعدها صراحة عندما قال إن وقف إطلاق النار مع المقاومة الفلسطينية ساهم في ارتفاع نسبة الإحباط لدى الجمهور " الإسرائيلي " في أعقاب حسم المعركة عسكريا لصالح الفلسطينيين وذلك من خلال مدونة له على صفحته على الفيسبوك ظهر يوم الخميس بتاريخ 28 / 8 / 2014 وأضاف ديسكين أن قوة الضربات الجوية والبرية ومكافحة الأنفاق فشلت ولم تردع الفلسطينيين الذين ما زال بإمكانهم تهديد " إسرائيل " بشكل جدي من جنوبها إلى حيفا شمالاً .

 وقد وصف المجرم ديسكين شعور الجمهور الصهيوني بالمحبط بعد معاناته القاسية من تداعيات الحرب وتوقع هذه النهاية المخزية لجيشه الذي لحقت به هزيمة نكراء بالرغم من ذلك أشار ديسكين وبكل مرارة إلى أن الجمهور الصهيوني سيشهد خلال المرحلة القادمة محاولة لتسويق النصر عسكرياً من قبل وزير الحرب الصهيوني " موشيه يعلون " الذي قال  أن الجيش " الإسرائيلي " قام بإعادة تصميم قوة الردع في محاولة يائسة لإقناع الجمهور الصهيوني المحبط كما قال وأضاف أن التجربة الحياتية علمتني انه لا يوجد نصر لمرة واحدة أو خسارة لمرة واحدة فمن شاهد إخلاء بلدات بأكملها جنوب " إسرائيل " سيكون من الصعب عليه الاقتناع بقوة الردع وهذا سيفتح شهية حزب الله في شمال " إسرائيل " في أي حرب قادمة بعد الهزيمة في غزة بعد خمسين يوما من الحرب التي خاضها الجيش بقدراته الكبيرة من الجو والبر والبحر في مواجهة منظمات  بإمكانيات محدودة جداً على مساحة جغرافية صغيرة .

أما المحلل العسكري الصهيوني " روني دانيال " فقد علق على هزيمة الجيش الصهيوني بقوله أن المقاومة الفلسطينية حققت انجازا كبيراً ومهماً بعدما وجهت ضربات قوية للعمق " الإسرائيلي " وجعلت " إسرائيل " تنتظر وقف إطلاق النار على أحر من الجمر .

لذلك إن من يشك في انجازات المقاومة لا بد أن يراجع حساباته بعد متابعة الإعلام الصهيوني واعترافات أهم الخبراء العسكريين والسياسيين والمقابلات مع الجمهور الصهيوني الذي أصبح حبس الملاجئ منذ اللحظة الأولى للعدوان حتى استجداء وقف إطلاق النار مثل قياداته التي حاولت رفع معنوياته لكنها فشلت بعدما لاحقتها صواريخ المقاومة وقذائف الهاون من موقع إلى موقع أخر فأذهلت المقاومة الفلسطينية وحاضنتها شعوب العالم بصبرها وصمودها وأثبتت أن الرهان على المقاومة هو الخيار الصحيح بعد هذا النصر المبين الذي يعتبر الخطوة الأولى على طريق تحرير فلسطين كل فلسطين .

لذلك فان قدر الثلاثي الإجرامي الصهيوني نتنياهو وموشيه يعلون وبني غانس وكل من يدور في فلكهم سواء في الكيان الصهيوني ومؤسساته أو خارجه  من العربان المتصهينين سيعترفون بالفشل والهزيمة رغم أنوفهم بعدما اكتشفوا أن الحرب العدوانية المعلنة على قطاع غزة انتهت بعد أكثر من خمسين يوما لمصلحة المقاومة كخيار استراتيجي للشعب الفلسطيني وكل شرفاء الأمة مما تسبب بالصدمة العنيفة للمؤسسة الصهيونية بفروعها السياسية والعسكرية والأمنية .

ومن جانب أخر فجعت هذه المؤسسات الصهيونية بهذه النتائج المؤلمة بعد سنوات من التدريب والتطوير والاستعدادات لمثل هذه الحرب لاستعادة شيء من الثقة للجندي الصهيوني المهزوم من داخله بعد عدوان تموز على المقاومة في لبنان عام 2006 والعدوان على غزة التي صمدت في حرب الكانونين نهاية العام 2008بداية العام 2009 وكذلك الصمود أثناء العدوان على غزة عام 2012.

لذلك فقد أدركت سلطات الاحتلال الصهيوني أنها بهذه الحرب فشلت في امتلاك زمام المبادرة وفرض الحلول القاسية على المقاومة الفلسطينية بما تمثله من ثقافة وإرادة صمودية وعقيدة قتالية خلاقة لذلك فشل جيش الاحتلال الصهيوني في إبداع مفاهيم عملياتية  قادرة على مواجهة تكتيكات المقاومة بالرغم من محدودية قدراتها في قطاع غزة المحاصر بالقياس مع قدرات الإخوة في المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله قي لبنان وهذا سبب مهم لفشل قوات الاحتلال في مواجهة حرب استنزاف من هذا النوع كان الصمود الأسطوري للمقاومة وحاضنتها الشعب الفلسطيني الذي استوعب قواعد اللعبة من خلال الصبر وطول النفس رغم الخسائر الكبيرة بين صفوف المدنيين وتدمير معظم البنى التحتية مما كشف بشكل واضح وصريح خرافة ما يسمه صمود الجبهة الداخلية الصهيونية التي انهارت منذ الأيام الأولى لبداية العدوان على غزة بسبب تعرضها لصواريخ المقاومة التي أسقطت أيضاً خرافة ما يسمى القبة الحديدية التي فشلت بشكل كبير في حماية المستعمرات الصهيونية ومواقعها الإستراتيجية وفي مقدمتها مطار بن غوريون الذي أغلق أمام الرحلات الجوية المحلية والدولية .

لهذا السبب وهذه الهزيمة تحت ضربات المقاومة فقدت حكومة العدو الصهيوني الثقة بها من قبل قطعان المستوطنين بشكل كبير بعد الخسائر الكبيرة المادية والمعنوية بصفوف الجيش الصهيوني وقطعان المستوطنين بعد ما فشلت بالحسم العسكري بعدما فقدت أهم ركائز الحسم المتمثلة بالمعلومات الاستخبارية الدقيقة بعد تصفية معظم شبكات التجسس في قطاع غزة بعد حرب الكانونين ولم تدخر الأجهزة الأمنية للمقاومة من ملاحقة بعض العملاء أثناء العدوان وتصفيتهم لذلك فقدت البوصلة وفشلت في تدمير مواقع المقاومة العسكرية وفي مقدمتها منصات إطلاق الصواريخ وشبكات الأنفاق التي فعلت فعلها في هذه الحرب وغير قواعد اللعبة لمصلحة المقاومة في الميدان بشكل عام خلال الحرب وكذلك ملاحقة كوادر وقيادات المقاومة وتصفيتهم كما خططوا .

لذلك تم الانتقام من الجمهور الفلسطيني الذي تحمل أعباء المعركة من اجل حماية المقاومة التي صنعت أهم الانتصارات في تاريخ الصراع العربي الصهيوني وخاصة  بعدا لتحركات الجماهيرية في الضفة الغربية التي قد تتحول في المرحلة المقبلة لجبهة ساخنة مع العدو إذا أحسنت فصائل المقاومة تسليحها ونقل مصانع التسليح لمدنها وقراها ومخيماتها إذا كانت القيادة الفلسطينية في رام الله جادة في مراجعة مسيرتها السابقة ومراهنتها على خيار المفاوضات الفشل بعدما حقق خيار المقاومة ما عجزت عن تحقيقه في عشرات السنين من المفاوضات العبثية .

نعم إن هذا الدرس البليغ للمقاومة الفلسطينية المسلحة يجب أن يفهمه العدو الصهيوني أولاً قبل الشقيق والصديق وفي مقدمتهم كل من راهن على العدوان الصهيوني الذي حاول استهداف المقاومة في قطاع غزة معتقدا ومتوهما أن نزع سلاح المقاومة أصبح مسالة وقت قصير لكسر إرادة الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته الوطنية للتفرغ لأولويات أخرى في المنطقة وفي مقدمتها استهداف قوى محور المقاومة والصمود من المقاومة في لبنان إلى دمشق وبغداد وتقسم المقسم من خلال فرض سياسية الفوضى الخلاقة عبر تعميم ثقافة الفتنة الطائفية والمذهبية بأدواتها التكفيرية الوهابية المتصهينة أكثر من الصهاينة أنفسهم لكن المقاومة مصمصة على دحر التكفيريين ونهج الإرهاب الوهابي كما دحرت المقاومة الفلسطينية العدوان الصهيوني على غزة الذي سيشكل الخطوة الجدية الأولى على طريق تحرير فلسطين كل فلسطين وهذا أصبح واقعا عمليا وعلميا وليس حلما كما يتوهم البعض من ضعاف النفوس والإرادة   .

akramobeid@hotmail.com