2024-04-19 06:31 م

المفاوضات في القاهرة والحائط المسدود

2014-08-20
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
كلما استبشر البعض خيرا بوجود نوع من الاختراق في المفاوضات الغير مباشرة في القاهرة بين الوفدين الفلسطيني والاسرائيلي والمتعثرة منذ اليوم الأول، كلما جاء الوفد الإسرائيلي بتفاصيل واضافة نقاط في الساعات الأخيرة ليبطل حالة شبه الانفراج التي بدت أو لاحت في الأفق، لنعود مرة أخرى الى نقطة البدايات، وليبدأ الدوران مرة أخرى في الحلقة المفرغة، بفعل التعنت الإسرائيلي والإصرار على عدم التنازل لأي من شروط أو طلبات الوفد الفلسطيني، التي هي في حقيقة الامر تسعى لتحقيق وتأمين أبسط الحقوق الإنسانية للعيش، والعمل، وحرية التنقل دون المضايقات الخانقة التي يفرضها الكيان الصهيوني من خلال حصار ظالم وجائر، لا يتقبله أي انسان على وجه الأرض. وبالمناسبة فإن معظم شروط الوفد الموحد الفلسطيني في هذه المفاوضات ان لم تكن كلها، هي استحقاقات كان قد أتفق عليها سابقا في اتفاقيات اوسلو السيئة الصيت منذ أوائل تسعينات القرن الماضي والتي لم يتم الالتزام بها من الكيان الصهيوني. عمليات التمديد المستمرة للمفاوضات التي باتت مقيتة، والتي يتقبلها الطرف الفلسطيني على مضض، أو يجبر على قبولها بالضغط من هذا الطرف او ذاك، يجب ان تتوقف لأنها بحقيقة الأمر احدى الوسائل لتفخيخ المفاوضات والتي تسعى إسرائيل من خلالها إفشال المفاوضات. ما تسعى اليه إسرائيل ليس عملية إيقاف عدوانها على قطاع غزة أو رفع الحصار عليه ولو حتى بشكل نسبي ومقنع، وإنما الى إيجاد الصيغ التي تؤهلها الى إعادة تنظيم الاحتلال وادارته، أو بمعنى آخر تجميل الوجه القبيح للاحتلال، بحيث يبدو للبعض وكأننا حصلنا على شيء. إسرائيل تسعى لتغيير الشكل مع إبقاء المضمون على ما هو، وهو ما يرفضه الوفد الفلسطيني ومن وراءه المقاومة الفلسطينية المسلحة والشعبية بمجملها. كما وأن إسرائيل تسعى لإيجاد الشرخ في مواقف الفصائل الفلسطينية أو ما بين الفصائل والسلطة الفلسطينية، وهو ما فشلت فيه فشلا ذريعا. وقد استخدمت العديد من الوسائل لذلك، كان آخرها النشر في وسائل الاعلام الإسرائيلية من وجود حركة انقلابية تقودها حماس على السلطة في الضفة الغربية. وقبلها اشارت بعض الصحف الإسرائيلية بان هنالك فصيل فلسطيني قد قرر الانسحاب من الوفد المفاوض، وهكذا دواليك. ولن تكف حكومة هذ الكيان ولا طبقته السياسية عن هذا الأسلوب الرخيص. والواضح أن الوفد الفلسطيني بجميع مكوناته مدرك وواعي لهذه الأساليب الرخيصة التي تسرب بين الحين والأخر في وسائل الاعلام الإسرائيلية. ولا يقتصر الموقف الموحد على السياسيين الفلسطينيين بل يتعداه الى حالة من الانسجام ما بين الفصائل المقاومة على الأرض وهذا الوفد. فمن الواضح ان التنسيق والتواصل بينهما لا ينقطع، وأن المقاومة على الأرض تدعم جهود الوفد وتقف خلفه في الصراع في الحلبة السياسية، وهي على علم بكل ما يدور على طاولة المفاوضات. ولا شك أن صلابة الموقف الفلسطيني والإصرار على مطالب المقاومة الفلسطينية التي هي مطالب كل الشعب الفلسطيني، والوحدة التي ابداها الوفد الفلسطيني، الى جانب التضحيات الهائلة التي قدمها شعبنا، كان لها الأثر الكبير على الموقف الرسمي المصري والطرف المسؤول على رعاية المفاوضات. وهذا يتضح من تحرك المواقف المصرية تدريجيا أكثر فأكثر الى الجانب الفلسطيني، وخاصة مع التعنت الذي يبديه الجانب الإسرائيلي والمحاولات المستمرة لنسف عملية التفاوض وقطع الطريق للوصول الى اتفاقية تؤمن وقف إطلاق النار، ضمن الهيكلية والشروط التي تلبي الحاجات الأساسية للشعب الفلسطيني ومقاومته. وما زالت إسرائيل تراوح مكانها بالنسبة الى سلاح المقاومة، وبالتالي تسعى جاهدة لنزعه باي ثمن وباي وسيلة ومن ثم فأنها تريد ربطه مثلا بإعادة الاعمار او بالميناء والمطار. لقد سعت إسرائيل ومن خلال عدوانها الهمجي القضاء على سلاح المقاومة من خلال القصف الجوي المكثف والعشوائي على أمل ان ذلك سيكون كافيا لتدمير ترسانة الصواريخ التي تمتلكها المقاومة. فلم تفلح في ذلك كما لم يفلح التوغل البري المحدود لجيشها، وبقية صواريخ المقاومة تسقط على فلسطين المحتلة. وعندما رفض حتى مناقشة نزع سلاح المقاومة، عاد الوفد الإسرائيلي ليتحدث عن تحجيم القدرة القتالية للمقاومة الفلسطينية، وذلك بنزع وتدمير الصواريخ البعيدة المدى، ومنع حفر الانفاق في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 ، وهو ما رفض أيضا. وما عجزت اسرائيل عن تحقيقه في الميدان حاولت مرارا وتكرارا تحقيقه على طاولة المفاوضات. والان ومع كتابة السطور هذه تأتي الاخبار من مصر وعلى لسان السيد عزام الأحمد الذي أعلن انهيار المفاوضات بالرغم من المرونة التي ابداها الطرف الفلسطيني، حيث لم تجيب الحكومة الإسرائيلية على آخر ورقة قدمت من الطرف الفلسطيني. وكان الرد بالغارات الجوية لسلاح الجو الاسرائيلي على قطاع غزة، والذي جاء ليؤكد ما ذكر سابقا بان إسرائيل غير معنية بوقف عدوانها على القطاع، وأنها تريد فرض شروطها بالقوة العسكرية. ومخطئ من ذهب ليقول ان نتنياهو محكوم ومكبل بالائتلاف الحكومي، وانه يتعرض الى الضغط من القوى اليمينية المتطرفة في الائتلاف وبالتالي لا يستطيع أن يتنازل، وكأن نتنياهو أصبح يساريا ما شاء الله. يجب أن نتفهم ان هذا الكيان الصهيوني غير معني بالسلام، وهو ويفاوض من أجل المفاوضات. الم يقل شامير الذي شغل منصب رئيس الوزراء للكيان الصهيوني فترة مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 من انه يستطيع أن يفاوض العرب مئة عام دون ان يعطيهم شيئا. هذا النموذج والفكر هو الذي يتحكم بالمسار الذي اتخذته وتبنته كل الحكومات السابقة فيما يختص بالمفاوضات وما سمي بعملية السلام، وبغض النظر عمن كان في سدة الحكم في هذا الكيان. لقد أصاب السيد عزام الأحمد عندما قال في مؤتمره الصحفي الذي أعلن فيه انهيار المفاوضات ومغادرة الوفد الفلسطيني القاهرة، انه لا يمكن ان تحل القضية الا بزوال الاحتلال وردد هذه العبارة ثلاثة مرات. وهذا هو جوهر القضية ومربط الفرس كما يقولون، والباقي ليس الا تفاصيل. وما لم توضع الية لإنهاء الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، سنبقى ندور في الحلقات المفرغة، دون ان نحقق أي شيء يذكر. الاحتلال لن يزول الا إذا شعرت إسرائيل أن هذا الاحتلال أصبح مشروعا خاسرا على جميع الجبهات والاصعدة، السياسية، والاقتصادية، والإعلامية، والأخلاقية، والعسكرية، والعالمية. وهذا يتطلب تماسك في الجبهة الداخلية الفلسطينية والابقاء على وحدة المقاومة الميدانية كما السياسية أيضا التي تحققت وتعمدت بدماء الشهداء من شعبنا، ومجابهة العدو الصهيوني في عدوانه الهمجي على القطاع والضفة الغربية وتكبيده أكبر قدر ممكن من الخسائر. كما أنه من الضروري أن تتحرك الضفة الغربية بشكل أوسع، والتمهيد لانتفاضة جماهيرية عريضة كما كان الحال في الانتفاضتين السابقتين وخاصة الانتفاضة الأولى. ويجب التنبه بأن الاحتلال يريد أن يفصل ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة والتعامل معها في المفاوضات كمناطق منفصلة. ومن الضروري وقف التنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وتوقيع معاهدة روما والذهاب الى محكمة الجنايات الدولية والكف عن إيجاد المبررات من قبل البعض لعدم الذهاب، هذه النغمة الانهزامية والمهادنة التي يسوق لها الذي من المفترض أن يجوب العالم ليحشد مزيد من الدعم لشعبه وقضيته العادلة. كما انه من الضروري تفعيل نظام مقاطعة البضائع الإسرائيلية. ان العالم أبدى تعاطفا منقطع النظير مع شعبنا في القطاع والضفة الغربية، كما تدلل المظاهرات الحاشدة في العديد من العواصم الغربية، ودول أمريكا اللاتينية، وحملات المقاطعة العالمية والتي باتت تؤرق العدو الصهيوني. الذي يبدو ان العالم أصبح أكثر كاثوليكيا من البابا على قول المثل. ففي اللحظة الذي بدأ العالم يبدي أكثر تفهما واستعدادا أكبر من أي وقت مضى لنصرة قضيتنا، وخاصة في مجالات المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية والاستثمار في مؤسسات الكيان الصهيوني كما تبين المعلومات في هذه المجالات، وتولي هيئات قضائية عالمية مسؤولية الذهاب الى محكمة الجنايات الدولية للدفاع عن شعبنا وملاحقة المجرمين الصهاينة، نرى بعض الأصوات الانهزامية والمهادنة حتى لا نستخدم كلمات اقصى من ذلك للتوصيف، نراهم يدعون الى سحب الطلب الذي قدم للمحكمة الجنائية الدولية استجابة للضغوط وخاصة من الولايات المتحدة، وذهب البعض سابقا ليقف ضد مقاطعة إسرائيل والاكتفاء فقط بمقاطعة المستوطنات في أراضي التي احتلت عام 1967 ، مما أثار الكثير من الاستغراب من قبل الناشطين في حركة المقاطعة على المستوى العالمي. في النهاية نقول إن التحرك على أكثر من صعيد داخلي واقليمي ودولي وخاصة في المحافل والمؤسسات الدولية لتجريم ما يقوم به الكيان الصهيوني، والمقاومة المسلحة والشعبية معا، هي بمجملها خير أسلوب للمجابهة للوصول الى التحرر من الاحتلال ومن كل افرازاته البغيضة لتحقيق ما يصبو اليه شعبنا من تحرير الأرض، والانتصار على هذا العدو في معركة الوجود هذه.

الملفات