2024-03-29 04:05 ص

سوريا في قلب معركة "الجرف الصامد"

2014-07-25
بقلم: الدكتور خيام محمد الزعبي*
في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة دخل العدوان على غزة منعطفاً جديداً بعدما رفضت فصائل المقاومة مكيدة التهدئة الإسرائيلية التي تعد إستهدافاً للمقاومة وإستئصالها بشكل كامل، ومن بين ركام الدمار ومخططات الإستهداف المستمرة للنيل من المقاومة خاصة في فلسطين ومن يقف خلفها، ظهر جلياً أن سوريا كانت السند الحقيقي لها، ليس فقط على المستوى السياسي والمعنوي والشعبي، بل حتى على المستوى العسكري، وخاصة في هذه المعركة التي أثبتت أن هناك شعباً حياً يطالب بحقوقه وأن إمكانيات هذا الشعب قادرة على إنزال الهزيمة بإسرائيل، فسورية اليوم في قلب المعركة تدافع عن غزة لإستعادتها من براثن الإستعمار لأنها تعرف أن فلسطين لن تعود إلاّ بقوة السلاح لا بالتخاذل والإنهزام. واليوم فشلت القيادة العسكرية الإسرائيلية من منع الصورايخ السورية والإيرانية الصنع، من السقوط داخل المستوطنات، كما فشلت في معرفة مخازن الصواريخ وقتل أي قيادي من فصائل المقاومة، وفشلت أيضاً في فرض شروط تسوية عبر وسطاء عرب، ولم تعد تل أبيب عاصمة الكيان الصهيوني تلك المدينة الآمنة، ولم يعد الإحتلال يجد نفعاً في مبدأ نقل المعركة الى أرض العدو والذي إنتهجه طويلاً أساساً لعقيدته العسكرية، فها هي صواريخ فجر 5 الإيرانية وأم 302 السورية تتساقط على المستوطنات الإسرائيلية منطلقة من غزة الصمود وناقلة رعب المعركة الى عمق الجبهة الداخلية التي لطالما تغنى القادة الصهاينة بكونها بمنأى عن الإستهداف، هذا الاستهداف الذي شكّل نقطة تحوّل في المواجهة بين المقاومة الفلسطينية والعدو الصهيوني. وفي سياق متصل إن وصول الصواريخ السورية والإيرانية الى غزة بالإضافة الى قدرة فصائل المقاومة الفلسطينية على وضعها بحالة الجهوزية قد خلق تهديداً إستراتيجياً لإسرائيل لما تتميز به هذه الصواريخ من قدرات وتطور تقني أضر بمنظومة الردع الإسرائيلية، كما فعلت المقاومة الإسلامية في لبنان في حرب 2006 عندما إستخدمت نفس النوع من الصواريخ التي تتساقط اليوم على تل أبيب متسببة الخوف والرعب في نفوس الإسرائيليين، وفي إطار ذلك وقفت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية مذهولة أمام أصل وجود هذه الصواريخ في غزة وعدم قدرتها على تحديد أماكنها لضربها، ما دفع بقادة سلاح الجو إلى تحميل الإستخبارات العسكرية مسؤولية الفشل بتوفير المعلومات عن هذه الصواريخ في غزة، إن إطلاق صواريخ من صناعة سورية على تل أبيب والقدس ومطار بن غريون وغيرها من المواقع الحساسة لها دلالة سياسية وعسكرية مؤداها، أن سوريا أعمت إسرائيل عندما إعتقدت أن عودة التحالف بين النظام السوري وحماس هو غير وارد في هذه المرحلة، لتفاجأ بأن مخزون المقاومة الفلسطينية من الصواريخ السوريــة وغيرها من الأسلحة المتطورة يفوق التصور، وأن ما أطلق حتى الآن هو القليل جداً مما تمتلكه المقاومة الفلسطينية من مخزون الصواريخ ومن مفاجآت. وبالتالي تعتبر هذه الحرب أكبر من حماس ومن غزة ومن فلسطين وحدها، هذه حرب محور المقاومة بكل أدرعه، في معركة بدأت في غزة ولن تنتهي إلا بالإتفاق النووي، وتحرير الجولان، وإنتخاب رئيس في لبنان، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية، وإسقاط وهم تقسيم العراق، والإعتراف بدور إيران كقوة عظمى في الإقليم وبالتالي كشفت المواجهة الضارية التي تدور بين فصائل المقاومة الفلسطينية وجيش الإحتلال الصهيوني ثبات توازن الردع الذي أحكمت بناءه منظومة المقاومة في المنطقة، وأكدت ثبات سوريا في موقعها المحوري داخل هذه المنظومة الإستراتيجية على الرغم من تصديها المتواصل لحرب عالمية شاملة تستهدفها منذ أكثر من ثلاث سنوات، والأهم أنّ سورية رغم الظروف القاسية التي تمر بها، متمسكة بفلسطين كقضية أولى وأساسية ومصيرية، لا تنأى بنفسها ولا تدفن رأسها بالرمال وإنّما تتحرك متضامنة بالموقف السياسي وبالسلاح، خاصة الصواريخ التي أجبرت الإسرائيليين أن ينزلوا إلى الملاجئ وأن تخلق حالة من توازن الرعب مع الإحتلال. وأنا على يقين تام إن تجدد الإنتفاضة وحيوية المقاومة الرادعة يؤكدان مجدداً إن الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إسرائيل فشلتا إستراتيجياً في ضمان حماية إسرائيل عبر إستنزاف سورية والمقاومة اللبنانية، ومن هنا يمثل الصمود السوري القاعدة الصلبة لثبات التوازن الإستراتيجي الجديد الذي صنعته ملاحم المقاومة والصمود التي أفشلت حروب إسرائيل، فالدرس الكبير لما يجري في غزة هو إن المعادلة القاهرة لم تتزحزح وأن صمود سورية أحكمت على خناق إسرائيل بفشلها الإستراتيجي وعجزها أمام توازن الردع المقاوم ومحوره القوة المكونة من سورية وحزب الله. وهنا يمكنني القول إن ما آلت إليه الأمة العربية من إنقسام على كافة المستويات، قد ساهم في تعقيد مسألة القضية الفلسطينية في إطار ذلك إن المنطقة يعاد تشكيلها على ضوء الحرب الكبيرة التي تشنها إسرائيل على غزة، ومواجهة المقاومة الفلسطينية لها، و محور المقاومة يستجمع قواه ويعيد تشكيل المنطقة من جديد بعدما حاولت أميركا وحلفاؤها ملء فراغ تركته الأحداث التي جرت منذ ثلاث سنوات، وفي إطار ذلك فإن المقاومة تعبّر الآن عن آمال وتطلعات الشعوب التي وجهتها نحو فلسطين وهي نفسها التي تتوق إلى نيل الحرية والإستقلال، وبالتالي فإن سقوط المقاومة في غزة يعني دخول المنطقة برمتها في الزمن الإسرائيلي، ومع ذلك فان الشعب الفلسطيني في غزه يثبت إنه شعب جبار بصموده وتصديه لهذا العدوان الغاشم، لذلك فإن غزة هي الحصن المنيع بوجه إسرائيل وبوجه إجرامها وأخيراً ربما أستطيع القول إذا كانت إسرائيل تعتقد بأنها ستكسب شيئاً من تلك المجازر التي تقوم بها في فلسطين من قتل وتدمير فهي واهمة، ويجب أن تدرك إن ما ألحقته بأهل غزة من إصابات وجراح ستكون بمثابة جرس إنذار يدق على الدوام مستنهضاً كل الفلسطينيين لتحرير فلسطين من الصهاينة وكل أرض عربية سلبت من أهلها، ولن يغيب عنهم بأن الأرض التي دفن فيها الشهيد ستنبت مقاومين ومناضلين أشد بأساً وأشد إصراراً على دحر العدو وإستعادة الحقوق، وبالتالي ستبقى سوريا في الموقع المتقدم لنصرة ومساندة ومساعدة الشعب الفلسطيني، مهما كانت الإنشغالات الداخلية والإستفزازات والمؤامرات التي تحاك ضدها، وستبقى قوتنا تزهو بوحدتنا الوطنية ومسيرتنا القومية نحو بناء مستقبل مشرق لأمتنا العربية. 
* صحفي وكاتب أكاديمي في العلاقات الدولية 
Khaym1979@yahoo.com