2024-04-17 01:40 ص

تصحيح الخطأ......فضيلة

2014-04-16
بقلم: الدكتور يحيى محمد ركاج
قام آباؤنا بتربيتنا على عالم مختلف كلياً عن العالم الذي نعيش به اليوم، وكذلك نرتكب نحن الخطأ نفسه بتربية أولادنا على حياتنا المعاشة متناسين كلياً أنهم سوف يستفيدون من هذه التنشئة في واقع مختلف كلياً عن الواقع الذي نقوم بتنشئتهم عليه، فكما اختلفت رؤيتنا للتعامل مع الأشياء والوقائع والأحداث التي أنشأنا لها أبائنا، سوف تختلف رؤية أبنائنا أيضاً، ليبقى السؤال المثير للجدل، أيهما أفضل عالمنا اليوم أم عوالم الغد، وهل رؤيتنا اليوم أكثر دقة لمستقبلنا، أم رؤية أبنائنا لمستقبلهم هي الأفضل. ولا أتحدث هنا عن المقولة التي نسبت للصحابة رضوان الله عليهم أجمعين أو لأحد حكماء الهند أو الصين ""لا تجبروا أبناءكم على عاداتكم فقد خلقوا لزمان غير زمانكم" إنما أتحدث عن وقائع تاريخية وسياسية لو تمت بغير الآلية التي حدثت فيها بوقتها لربما غيرت مجرى الأحداث العالمية التي نعيشها في أيامنا هذه. وحتى لا نبخس الرجال حقوقهم وانجازاتهم، لعل هذه الأحداث والأفعال لم تكن أخطاء بوقتها، بل على العكس من ذلك قد تكون قرارات بالغة الأهمية في استراتيجيات الدول والشعوب آنذاك، فلكل مقام مقال، ولكل زمان دولة ورجال، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في صلح الحديبية مع أهل مكة، ثم في فتح مكة بعد أن تم نقض الصلح. ولنبدأ بأزمة خليج الخنازير والصواريخ السوفيتية في كوبا وأزمتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وما آلت إليه الأحداث آنذاك نتيجة تفوق الأسطول الأمريكي على أسطول الاتحاد السوفيتي بفرض حصار قوي وشامل على كوبا وعدم مقدرة الأسطول السوفيتي على اختراق هذا الحصار، الأمر الذي استفاد الاتحاد السوفيتي منه فيما بعد بتدعيم سلاحه البحري، وكذلك عملت جيداً وريثتها السياسية روسيا على الاستفادة منه، وهو ما تجلى بوضوح في المحافظة على الوجود الروسي بالمتوسط في الأحداث التي تشهدها المنطقة تحت مسميات الربيع العربي. ولعل ما يحدث في هذه الأيام من أحداث عالمية يدعم عملية استفادة الدول من أخطائها وتراجعها عنها، فهاهي روسيا تستعيد الخطأ التاريخي الذي قدمه الاتحاد السوفيتي وزعيمه صاحب فيتو الحذاء التاريخي نيكيتا خروتشوف كمكافأة لإقليم أوكرانيا عندما أتبع لهم شبه جزيرة القرم، وتتراجع عن هذا الخطأ بإعادة ضم القرم ثانية إلى روسيا وطنه الأصلي في حادثة مستنسخة من المجتمع الدولي عن حادثة انفصال كوسوفا عن يوغسلافيا، أو بعبارة أخرى بخطأ مشابه للغرب والولايات المتحدة الأمريكية لم يقدما على تصحيحه. قامت الدولة الاستعمارية فرنسا أثناء احتلالها لسورية باقتطاع قطعة من الأرض السورية لواء اسكندرون) ومنحها كمقابل صفقات تسوية لتركيا وريثة الدولة العثمانية آنذاك، وعندما نالت سورية استقلالها وقبل حتى ترتيب أوراقها الداخلية وتوطيد الاستقرار حدثت النكبة الفلسطينية وانصهر الجميع في بوتقة القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب الأولى وخاصة دول الطوق، الأمر الذي كان السوريون يعبرون عنه بالتباين بين قضايا الحدود والوجود، مع العمل على الاستفادة من مزايا القانون الدولي في التحكيم بالأراضي المنازع عليها، ولكن مع اندلاع الأحداث الأخيرة التي تشهدها سورية، وعودة الأطماع العثمانية في احتلال الدول لتطفو على السطح، بدأ الرأي العام في سورية شعبا ًوقيادة يتجه على تصحيح هذا الخطأ اللوجستي والمطالبة على استعادة لواء اسكندرون وكيليكية الأرض السورية الأصل إلى الوطن الأم. ولم يقتصر الأمر عل الدول الكبرى سواء من حيث القرار الدولي كروسيا أو من حيث الصمود الأسطوري والنضال الحضاري كسورية في تصحيح الأخطاء التاريخية، فهاهو قائد شرطة دبي الأسبق يعترف بتغريده باللهجة الخليجية على تويتر بأن المحمية الأمريكية المسماة بإمارة قطر تتبع بالأصل إلى مشيخة أبو ظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، ويجب عودتها إلى هذه التابعية عودة الفرع إلى الأصل. وإذا كان هذا مصير بعض الأحداث التي خضعت لإرادة الشعوب في التغيير، فهل تشهد جمهورية مصر العربية إرادة تغيير مشابهة في القيادة الجديدة التي تسعى إليها، وتتمثل في إيقاف العمل باتفاقية الاستسلام الموقعة لصالح الكيان الصهيوني كامب ديفيد، أم أنَّ الأوان لم يحن بعد. وهل نجد تصحيحاً جديداً للخطأ الذي وقع بعدم المحافظة على الجمهورية العربية المتحدة بين سورية ومصر في أوائل الستينيات من القرن الماضي، بإعادة هذه الوحدة من جديد خاصة بعد التعبير القومي الصريح الذي يشهده الشارع المصري في هذه الأيام. وهل حان الوقت لإزالة الحدود الافتراضية التي صنعها الاستعمار بين الدول العربية والإسلامية؟ وهل حان الوقت لتصحح القرم نفسها من احتضانها للخطأ التاريخي المتمثل بيالطا وتكون بداية نظام عالمي جديد ينهي التفرد والغطرسة الغربية عملياً؟ وهل حان الوقت لتتوحد التيارات والمذاهب الإسلامية تحت عقيدة كتاب الله بعيداً عن التفسيرات الشخصية والجانبية لفهم أمور الأديان؟، وهل حان الوقت لتجتمع الأمة تحت راية القومية العربية؟ وهل حان الوقت للعمل بدل من الكلام والتنظير؟

الملفات