كلنا يذكر بدايات قناة الجزيرة في عام 1996 حين ظهرت في العالم العربي كأول قناة إخبارية عربية ، وهي نسخة معدلة عن بعض القنوات الأجنبية والقنوات الناطقة بالعربية التي تتوجه للعالم العربي وأهداف الأقنية التي تتوجه للعرب معروفة أهدافها التي تتلخص بتسويق السياسات الخارجية لتلك الدول، إضافة لتسويق الأفكار والآراء العدوانية تجاه المنطقة العربية التي تتبناها وتقدمها بشكل يبدو جديداً يحمل في شكله الخارجي الحرص على الشعوب العربية والدفاع عن حقوقها المغتصبة من وجهة نظر تلك الدول الاستعمارية وإحلال أشكال الحريات والديموقراطيات والتي تختلف باختلاف الدولة التي تتوجه لها ، وتختلف حتى في تطبيقها داخل تلك البلدان التي تتبجح بنشرها في بعض الدول العربية التي تعاني من أمراض اجتماعية عديدة يمكن أن تتخلص منها لوحدها دون أن تتدخل هذه الدولة أو تلك في سياساتها الداخلية والخارجية.
إذن دخلت قناة الجزيرة في وقت لم يكن هناك إعلام عربي متطور بالشكل المطلوب ، وبصراحة يمكن القول أنها أذهلت الجميع بحرفيتها وأسلوب عملها الذي لم يقل ولا بنسب ضئيلة عن القنوات التلفزيونية الأجنبية التي تعمل بلغات أخرى كالcnn وbbc وبعض الأقنية التي كانت تتوجه للعالم العربي كالحرة وغيرها من المحطات الناطقة باللغة العربية ، وقد استطاعت أن تحصد العديد من النجاحات في العالم العربي من خلال البرامج الحوارية التي كانت تعدها مع مختلف أقطاب السياسة في العالم وتقدم رؤية جديدة في العالم العربي للأفكار والسياسات التي تريد تسويقها للعقل وللمشاهد العربي بشكل يخدم السياسات التي تروج لها والتي لم تكن بعد واضحة ، والشيء الحيد الذي كان واضحاً هو الطريقة الاحترافية في تقديم الأخبار واللقاء مع المحللين والسياسيين في العالم للإضاءة على تلك الأحداث وكشف خلفياها التي بدت أنها جديدة للمشاهد العربي الذي لم يتعود بعد على هذا النوع الجديد من الخطاب الذي يجعله شريكاً في البحث والتفكر في الأحداث الجارية ويقدم له أفكار ورؤى عدة حول ما يجري من أحداث تاركة إياه يفكر ويتخذ بعد ذلك موقفاً مما يجري وكان عادة ينساق حول ما تقدمه من تحليلات قد يجدها صائبة مع أنها قد تخدم السياسات والمصالح الاستعمارية في العالم ، ولنتذكر مثلاً أن هذه المحطة التي فاقت شهرتها العالم العربي هي أول قناة عربية استضافت محللين وسياسيين ينطقون باسم الكيان الإسرائيلي فهل هي مصادفة أم أنه أمر تعمدته إدارة القناة لتسويق وترويج الأفكار الصهيونية في العالم العربي بعد أن فشلت عشرات السنين من النجاح في التطبيع مع العدو الإسرائيلي على الرغم من قيام بعض الدول العربية من عقد اتفاقات سلام منفردة مع هذا العدو الذي لا يؤمن جانبه ، وظهر الشعب العربي رافضاً لكل هذه السياسات ولوجود الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين التي اغتصبها وقتل وشرد أهلها ودمر بيوتها ولا يتوقف يومياً عن ارتكاب المجازر بحق أهلنا في فلسطين المحتلة ويدمر بيوتهم ليستولي على المزيد منها.
هذه المحطة لم يكن دورها بريئاً ولا نزيها في يوم من الأيام منذ إنشائها وحتى هذه اللحظة حيث بدت أنها محطة تنطق بالعربية لكنها عبرية التوجه ومنذ يومها الأول وقد خدع الملايين من المشاهدين في العالم العربي بتلك المحطة التي لم تكن يوماً من الأيام تحمل هم الشعب العربي ولا الدفاع عنه بل ساهمت بقتله وتشريده وتمزيقه على مدى السنوات الماضية وإذا وصل عدد مشاهديها في يوم من الأيام إلى أكثر من ثلاثة وثلاثين مليون مشاهد فهي قد بدأت منذ عدة سنوات بالعد التنازلي لعدد مشاهديها وخاصة بعد أن انكشف دورها في التآمر على الشعوب العربية واستقالة عدة مذيعين رفضوا أن يسيروا في خط التآمر الذي تسير به وانكشف دورها المشبوه وتاريخها الأسود الذي كتبته للأسف بدماء الشعوب العربية الطاهرة التي قامرت بدمائها ومازالت تسير على ذلك الخط المسيء ليس لها فقط بل لكل من ينطق بلغة الضاد التي لوثت بانحيازهم الواضح لقوى الشر والعدوان التي تتآمر على كل من يحمل الهم الوطني في هذا العالم المليء بالتناقضات والهموم .
*كاتب وصحفي سوري